وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلدَّاءِ كَمَا أَنَّ الْأَيْمَنَ مُنَاسِبٌ لِلدَّوَاءِ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْحَدِيثِ عَدَمُ تَنْجِيسِهِ لِلْمَائِعِ، وَلَوْ مَاتَ فِيهِ كَسَائِرِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ مِنْ الْبَقِّ، وَالْبَعُوضِ، وَالْعَقْرَبِ وَأَشْبَاهِهَا فَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا أَذًى مِنْ الذُّبَابِ وَنَحْوِهِ (لَمْ يَضُرَّ) أَحَدًا (كُرْهُهُ) وَإِتْلَافُهُ (طَدِ) أَمْرٌ مِنْ وَطَدَ الشَّيْءَ يَطِدُهُ وَطْدًا إذَا أَثْبَتَهُ وَثَقَّلَهُ يَعْنِي أَنَّ مَا خَلَا عَنْ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَانَ إتْلَافُهُ وَعَدَمُ إتْلَافِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَيَرْجِعُ إلَى قِسْمٍ مَا فِيهِ نَفْعٌ وَضُرٌّ حَيْثُ خَلَا عَنْ مِلْكِيَّةِ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَفَ بِالنَّفْعِ وَالضُّرِّ تَعَادَلَ ضُرُّهُ وَنَفْعُهُ فَتَسَاقَطَا فَصَارَ كَمَا لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ.
وَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْبُولًا عَلَى الْأَذَى وَالضَّرَرِ طَبْعًا بِلَا نَفْعٍ فَيُقْتَلُ، أَوْ ضِدَّهُ، وَهُوَ مَا فِيهِ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ فَلَا، أَوْ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَنَفْعٌ وَخَلَا عَنْ مِلْكِيَّةِ مَعْصُومٍ، أَوْ خَلَا عَنْ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ فَيُبَاحُ قَتْلُهُمَا وَعَدَمُهُ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَكُنْ نَهْيُ الشَّارِعِ عَنْ إتْلَافِهِ كَالضُّفْدَعِ وَالنَّمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِيمَا يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ، وَمَا لَا يَحِلُّ:
وَمَا حَلَّ لِلْمُضْطَرِّ حَلَّ لِمُكْرَهٍ ... وَمَا لَا فَلَا غَيْرَ الْخُمُورِ بِأَوْكَدِ
(وَمَا) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ (حَلَّ لِلْمُضْطَرِّ) مِنْ أَكْلِ الْمَيِّتَةِ وَالدَّمِ، وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهَا (حَلَّ) أَيْ: فَإِنَّهُ يُحِلُّهُ (لِمُكْرَهٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ وَخَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُضْطَرِّ، وَالْمُكْرَهِ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ اتِّقَاءَ تَلَفِ نَفْسِهِ وَإِبْقَاءً لَهَا، وَالْمُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ اخْتِيَارٍ كَالْمُضْطَرِّ إلَّا أَنَّ غَرَضَهُ لَيْسَ نَفْسَ الْفِعْلِ، وَالْعَمَلِ، بَلْ دَفْعَ الضَّرَرَ عَنْهُ، وَالْأَذَى فَهُمَا مُخْتَارَانِ مِنْ وَجْهٍ غَيْرُ مُخْتَارَيْنِ مِنْ وَجْهٍ؛ وَلِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ إكْرَاهِهِ، أَوْ لَا.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ ظَاهِرَ النَّظْمِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا فِيهِ إتْلَافٌ لِمَعْصُومٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ: (وَمَا) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ (لَا) يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ (فَلَا) يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ مَعْصُومٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى قَتْلِهِ وَأَكْلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute