وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد الْأَعْمَى وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَالَ لَقِيَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَ بِيَدِي وَصَافَحَنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ: تَدْرِي لِمَ أَخَذْتُ بِيَدِكَ؟ قُلْت لَا إلَّا إنَّنِي ظَنَنْت أَنَّك لَمْ تَفْعَلْهُ إلَّا لِخَيْرٍ، فَقَالَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَنِي فَفَعَلَ بِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ أَتَدْرِي لِمَ فَعَلْت بِك ذَلِكَ؟ قُلْت لَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الْمُسْلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيَا وَتَصَافَحَا وَضَحِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَجْهِ صَاحِبِهِ لَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ إلَّا لِلَّهِ، لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا» . إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، وَاَللَّهُ الْحَلِيمُ السَّتَّارُ.
مَطْلَبٌ: أَوَّلُ مَنْ صَافَحَ وَعَانَقَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
(تَنْبِيهَاتٌ) :
(الْأَوَّلُ) : مِنْهَا أَوَّلُ مَنْ صَافَحَ وَعَانَقَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
كَمَا فِي مُثِيرِ الْغَرَامِ وَالْأُنْسِ الْجَلِيلِ وَالْأَوَائِلِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْإِسْكَنْدَرُ الْأَكْبَرُ، فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ الْمُفَضَّلِ الْمُوَقَّرِ، صَافَحَهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَعَمَّمَهُ، وَأَهْدَاهُ لِلْخَيْرِ وَعَمَّمَهُ، وَتَشَرَّعَ الْإِسْكَنْدَرُ بِشَرِيعَتِهِ، وَدَخَلَ مَعَهُ فِي مِلَّتِهِ.
وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي كِتَابِي الْجَوَابِ الْمُحَرَّرِ، فِي الْخَضِرِ وَالْإِسْكَنْدَرِ. وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا فِي خَبَرِ أَنَسٍ. كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي حَدْسٍ.
(الثَّانِي) سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - أَغْدَقَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ عَلَى رُوحِهِ الزَّكِيَّةِ - عَنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ لَا؟ أَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْمُصَافَحَةُ عَقِبَ الصَّلَاةِ فَبِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى.
قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهَا سُنَّةٌ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَصْلُ الْمُصَافَحَةِ سَنَةٌ، وَكَوْنُهُمْ حَافَظُوا عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ أَصْلِ السُّنَّةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ، وَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَ تَحْرِيمَهَا. انْتَهَى.
قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ عَقِبَ الدُّرُوسِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَنْوَاعِ مَجَامِعِ الْخَيْرَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute