للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ إنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ» إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

وَمِنْ كَمَالِ هَيْئَةِ الذَّاكِرِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْجُلُوسِ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لِلذَّاكِرِ شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الَّذِي يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ خَالِيًا مِنْ الْقَاذُورَاتِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي احْتِرَامِ الذِّكْرِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَالنَّظَافَةُ مُعْتَبَرَةً فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ وَمَحَلِّهِ.

قُلْت: الْمَذْهَبُ كَرَاهَةُ الذِّكْرِ فِي نَحْوِ بَيْتِ الْخَلَاءِ مِنْ الْمَحَلَّاتِ النَّجِسَةِ لَا بِقَلْبِهِ، وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي تَنْظِيفُ فَمِهِ بِالسِّوَاكِ، فَإِنْ كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ غَسَلَهَا، وَلَمْ يُحْرَمْ ذِكْرُ اللَّهِ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى مَنْ فَمُهُ نَجِسٌ بَلْ يُكْرَهُ وَتَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ: فِي كَفِّ اللِّسَانِ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى الدَّوَامِ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ:

وَكُفَّ عَنْ الْعَوْرَى لِسَانَك وَلْيَكُنْ ... دَوَامًا بِذِكْرِ اللَّهِ يَا صَاحِبِي نَدِي

(وَكُفَّ) أَيْ ادْفَعْ وَاصْرِفْ (عَنْ) الْمَقَالَةِ وَالْكَلِمَةِ (الْعَوْرَى) بِالْقَصْرِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَوْرَاءُ الْكَلِمَةُ أَوْ الْفِعْلَةُ الْقَبِيحَةُ، انْتَهَى. وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْعَوْرَاءِ يَقُولُهَا» . قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ الْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ الزَّائِغَةِ عَنْ الرُّشْدِ (لِسَانَك) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ (وَلْيَكُنْ) اللَّامُ لِلْأَمْرِ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ بِهَا وَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى اللِّسَانِ وَ (دَوَامًا) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ وَلْيَكُنْ لِسَانُك عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ فِي كُلِّ أَحْيَانِك وَشُئُونِكَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ (بِذِكْرِ اللَّهِ) تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ " بِنَدِي " (يَا صَاحِبِي) السَّامِعَ لِنِظَامِي وَالْمُمْتَثِلَ لِكَلَامِي (نَدِي) أَيْ رَطْبًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ خَبَرُ يَكُنْ، وَإِنَّمَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُسَكِّنُ الْيَاءَ فِي النَّصْبِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ: وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ حَالَةَ النَّصْبِ عَلَى حَالَتَيْ الرَّفْعِ وَالْجَرِّ.

وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأُشْمُونِيِّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ لَا ضَرُورَةٌ. وَكَلَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>