للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الزُّبَيْرُ: «وَلَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّيْفَ لِأَبِي دُجَانَةَ وَجَدْت فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْته فَمَنَعَنِي وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَقُلْت: أَنَا ابْنُ صَفِيَّةَ عَمَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ وَسَأَلْته إيَّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَتَرَكَنِي، لَأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ فَخَرَجَ، وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيلِ

أَنْ لَا أَقُومَ الدَّهْرَ فِي الْكُيُولِ ... أَضْرِبْ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ

» الْقِصَّةَ وَمَحَلُّ الدَّلِيلِ تَبَخْتُرُ أَبِي دُجَانَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ: وَذَلِكَ لِاسْتِهَانَتِهِ لِأَمْرِ الْمُشْرِكِينَ وَقِلَّةِ هَيْبَتِهِمْ عِنْدَهُ.

فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْحَامِلِ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِقْدَامِ وَالْجُرْأَةِ عَلَيْهِمْ وَالِاحْتِقَارِ لَهُمْ وَعَدَمِ الِاحْتِفَالِ بِشَأْنِهِمْ.

وَأَمَّا اخْتِيَالُ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ يَعْنِي عِنْدَ دَفْعِهِ لِلصَّدَقَةِ فَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ هِمَّتِهِ وَشَرَفِ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَكْثِرُ كَثِيرَهَا، وَإِنْ جَلَّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. .

مَطْلَبٌ: الْمِشْيَاتُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ (تَنْبِيهَاتٌ) :

(الْأَوَّلُ) : قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ: الْمِشْيَاتُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ، أَحْسَنُهَا وَأَسْكَنُهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ» .

وَقَالَ مَرَّةً: «إذَا مَشَى تَقَلَّعَ» ، وَالتَّقَلُّعُ الِارْتِفَاعُ مِنْ الْأَرْضِ بِجُمْلَتِهِ كَحَالِ الْمُنْحَطِّ فِي الصَّبَبِ، يَعْنِي يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا بِقُوَّةٍ، وَالتَّكَفُّؤُ التَّمَايُلُ إلَى قُدَّامَ، كَمَا تَتَكَفَّأُ السَّفِينَةُ فِي جَرْيِهَا، وَهُوَ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ.

قُلْت: وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَسْرَعَ مِشْيَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، كُنَّا إذَا مَشِينَا مَعَهُ نُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ» .

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا لَيْسَ فِيهِ كَسَلٌ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>