وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. «مَا رَأَيْت رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ. وَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ» . .
مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ مُنَاجَاةِ الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ حَالَ الرُّفْقَةِ.
(وَ) يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ (أَنْ يَتَنَاجَى) مِنْ الْمُنَاجَاةِ وَهِيَ الْمُسَارَّةُ، يُقَالُ نَاجَاهُ مُنَاجَاةً سَارَّهُ وَانْتَجَاهُ خَصَّهُ بِمُنَاجَاتِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُنَاجِي هُوَ الْمُخَاطِبُ لِلْإِنْسَانِ وَالْمُحَدِّثُ لَهُ يُقَالُ نَاجَاهُ يُنَاجِيهِ مُنَاجَاةً فَهُوَ مُنَاجٍ، وَالنَّجِيُّ فَعِيلٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَنَاجَيْنَا مُنَاجَاةً وَانْتِجَاءً، وَمِنْهُ حَدِيثُ «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا» أَيْ لَا يَتَسَارَّانِ مُنْفَرِدَيْنِ عَنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَسُوءُهُ.
(الْجَمْعُ) فَاعِلُ يَتَنَاجَى وَالْمُرَادُ بِهِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (مَا) زَائِدَةٌ (دُونَ) إنْسَانٍ وَاحِدٍ (مُفْرَدٍ) لِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَجَلْ إنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» بِإِسْقَاطِ مِنْ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لَهُ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ بِزِيَادَةِ مِنْ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: نَطَقُوا بِهَا اللَّفْظَ بِإِسْقَاطِ مِنْ ذَكَرَ لَهُ شَاهِدًا وَيَجُوزُ كَسْرُ هَمْزَةِ أَنَّ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهَا. انْتَهَى.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّمَا يُحْزِنُهُ لِأَجْلِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّ نَجْوَاهُمَا لِتَبْيِيتِ رَأْيٍ أَوْ تَدْسِيسِ غَائِلَةٍ لَهُ، وَالثَّانِي مِنْ أَجْلِ الِاخْتِصَاصِ بِالْكَرَامَةِ وَهُوَ يُحْزِنُ صَاحِبَهُ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ» .
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَالنَّهْيُ عَامٌّ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالسَّفَرِ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute