للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ الْمَرْكَبَ الَّذِي فِيهِ مَالُنَا مَا انْكَسَرَ وَلَا ضَاعَ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا ضَاعَ مَالٌ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ إلَّا بِسَبَبِ مَنْعِ الزَّكَاةِ» ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ مَالِي مُزَكًّى، فَكَيْفَ يَتْلَفُ؟ فَاتَّفَقَ أَنَّ الْمَرَاكِبَ تَكَسَّرَتْ وَتَلِفَ مَا فِيهَا مَا عَدَا الْمَرْكَبَ الَّتِي فِيهَا مَالُ أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

فَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ يَقِينِ الْوَالِدِ وَحُسْنِ مَعْرِفَتِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ اتِّكَالِهِ عَلَى اللَّهِ - جَلَّ شَأْنُهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(فَائِدَةٌ) : رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُسْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَفْتَحَ أَوَّلَ نَهَارِهِ بِخَيْرٍ، وَخَتَمَهُ بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِمَلَائِكَتِهِ: لَا تَكْتُبُوا مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ الذُّنُوبِ» .

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ حَافِظَيْنِ يَرْفَعَانِ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا حَفِظَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَيَجِدُ فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ، وَفِي آخِرِهَا خَيْرًا إلَّا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الصَّحِيفَةِ» .

مَطْلَبٌ: فِي فَضَائِلِ الِاسْتِغْفَارِ وَكَثْرَةِ بَرَكَاتِهِ

(تَتِمَّةٌ) :

مِمَّا يَتَأَكَّدُ عَلَيْك مِنْ الْأَذْكَارِ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فَإِنَّ فَضَائِلَهُ كَثِيرَةٌ، وَبَرَكَاتِهِ غَزِيرَةٌ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] وَأَثْنَى عَلَى قَوْمٍ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥] وَقَرَنَ - تَعَالَى - الِاسْتِغْفَارَ بِبَقَاءِ الرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: ٣٣] وَلِذَا قَالَ أَبُو مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ لَنَا أَمَانَانِ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا، وَبَقِيَ الْآخَرُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: الِاسْتِغْفَارُ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَذَابَ هُوَ الِاسْتِغْفَارُ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَمَّا مَنْ أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَطَلَبَ مِنْ اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ فَاسْتِغْفَارُهُ لَا يَمْنَعُ الْعَذَابَ؛ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ هِيَ مَحْوُ الذَّنْبِ وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ وَوِقَايَةُ شَرِّهِ، لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا السِّتْرُ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَسْتُرُ عَلَى مَنْ يَغْفِرُ لَهُ وَمَنْ لَا يَغْفِرُ لَهُ، فَحَقِيقَتُهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ، وَمِنْهُ الْمِغْفَرُ لِمَا يَقِي

<<  <  ج: ص:  >  >>