للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَقَادِيرِ، فَتَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ الذُّنُوبِ، وَتَوْبَةُ الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ، وَتَوْبَةُ خَاصِّ الْخَاصِّ مِنْ رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى مَا سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَهُ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ صِحَّةُ التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مَا حَصَلَتْ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ أَوْ أَدْنَى غَفْلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ. قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَقْوَى وَهُوَ مَعْنَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ مُجَاهِدٍ: مَنْ لَمْ يَتُبْ إذَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى فَهُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّوْبَةَ الْوَاجِبَةَ مُدَّةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا لَزِمَتْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ التَّوْبَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ مَعَ الْقُدْرَةِ إثْمٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

مَطْلَبٌ: فِي أَنَّ تَوْبَةَ التَّائِبِ إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ.

وَاعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى وَوَفَّقَك أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَابَ مِنْهُ التَّائِبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَرْكِ وَاجِبٍ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ وَقَضَاؤُهُ كَالصَّلَوَاتِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهَا أَوْ لَا، كَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَتَحْلِيلِ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَهُ، فَالْأَوَّلُ لَا بُدَّ مَعَ التَّوْبَةِ - مِنْ التَّقْصِيرِ فِي عَدَمِ الْأَدَاءِ وَفَوْتِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ الْمُؤَقَّتَةِ - مِنْ قَضَاءِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ حَيْثُ قَدَرَ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ التَّفْرِيطُ فِي مَعْرِفَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَتَبْجِيلِهِ، وَتَعْظِيمِ مَا عَظَّمَهُ وَتَحْقِيرِ مَا حَقَّرَهُ، وَتَحْلِيلِ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَهُ، تُجْزِئُ مِنْهُ التَّوْبَةُ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِثْبَاتِ مَا أَنْكَرَ وَإِنْكَارِ مَا كَانَ اعْتَقَدَ مِمَّا يُوجِبُ الْكُفْرَ، وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ آدَمِيٍّ مَحْضٌ، هَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ فَكُلُّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مُعَاطَاةَ مَا لَا يُشْرَعُ مَعْصِيَةٌ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، وَلَا يَخْلُو حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ كَوْنِهِ إمَّا يَنْجَبِرُ بِمِثْلِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْجِرَاحَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ كُلِّ مَظْلَمَةٍ لِأَهْلِهَا مِنْ مَالٍ وَنَحْوِهِ وَتَمْكِينِ ذِي الْقِصَاصِ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ تَابَ وَنَدِمَ وَأَقْلَعَ وَعَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ إلَى أَهْلِهَا فَهَلْ تُقْبَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>