يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاك عَنْ هَوًى ... فَصَاحِبْهُ تُهْدَى مِنْ هُدَاهُ وَتَرْشُدُ
(يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ) عِنْدَهُ (وَيَنْهَاك عَنْ) مُتَابَعَةِ (هَوًى) وَمُلَابَسَتِهِ فَإِنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي النَّارِ. ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِمُخَالَطَةِ مَنْ هُوَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ (فَصَاحِبْهُ) وَلَازِمْهُ (تُهْدَى) بِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِك لَهُ (مِنْ هُدَاهُ) وَتَنْتَفِعُ بِتَقْوَاهُ (وَتُرْشَدْ) بِفَتْوَاهُ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالطَّرِيقَةِ الْوَاضِحَةِ، وَتَتْرُكُ الْغَيَّ وَالضَّلَالَ وَبُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ الْفَاضِحَةِ. فَصُحْبَةُ مِثْلِ هَذَا غُنْمٌ، وَالْبُعْدُ عَنْهُ غُرْمٌ، فَإِنَّك تَهْتَدِي بِهَدْيِهِ الْمُقَرَّبِ، وَتَشْدُو بِشَدْوِهِ الْمُطْرِبِ. وَقَدْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الصَّاحِبُ لِلصَّاحِبِ كَالرُّقْعَةِ فِي الثَّوْبِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِثْلَهُ شَانَتْهُ وَقِيلَ لِابْنِ السِّمَاكِ: أَيُّ الْإِخْوَانِ أَحَقُّ بِإِبْقَاءِ الْمَوَدَّةِ؟ قَالَ الْوَافِرُ دِينُهُ، الْوَافِي عَقْلُهُ، الَّذِي لَا يَمَلُّك عَلَى الْقُرْبِ، وَلَا يَنْسَاك عَلَى الْبُعْدِ، إنْ دَنَوْت مِنْهُ دَانَاك. وَإِنْ بَعُدْت عَنْهُ رَاعَاك، وَإِنْ اسْتَعْضَدْتَهُ عَضَّدَك، وَإِنْ احْتَجْت إلَيْهِ رَفَدَك، وَتَكْفِي مَوَدَّةُ فِعْلِهِ، أَكْثَرُ مِنْ مَوَدَّةِ قَوْلِهِ.
وَأَنْشَدُوا، وَهِيَ مِمَّا يُنْسَبُ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
إنَّ أَخَاك الصِّدْقَ مَنْ كَانَ مَعَك ... وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَك
وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَك ... شَتَّتْ فِيك شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك
وَقِيلَ لِخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ: أَيِّ إخْوَانِك أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: الَّذِي يَسُدُّ خُلَّتِي، وَيَغْفِرُ زَلَّتِي، وَيَقْبَلُ عَثْرَتِي.
مَطْلَبٌ: فِي مُجَانَبَةِ الْهَمَّازِ وَالْبَذِيِّ.
وَأَنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ
وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إنْ قُمْت عَنْهُ وَالْبَذِيَّ ... فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي
(وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ) أَيْ احْذَرْهُ وَابْعُدْ عَنْهُ وَلَا تُصَاحِبْهُ فَإِنَّهُ يَهْمِزُك (إنْ قُمْت عَنْهُ) أَيْ مِنْ عِنْدِهِ، فَمَتَى غِبْت عَنْهُ هَمَزَك. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْهَمْزُ الْغَمْزُ وَالضَّغْطُ وَالنَّخْسُ وَالدَّفْعُ وَالضَّرْبُ وَالْعَضُّ وَالْكَسْرُ، انْتَهَى.
وَفِي النِّهَايَةِ: وَالْهَمْزُ أَيْضًا الْغَيْبَةُ وَالْوَقِيعَةُ فِي النَّاسِ وَذِكْرُ عُيُوبِهِمْ، وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ هُنَا. وَقَدْ هَمَزَ يَهْمِزُ فَهُوَ هَمَّازٌ وَهُمَزَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ (وَ) إيَّاكَ وَ (الْبَذِيَّ) أَيْ الْفَاحِشَ فِي مَقَالَتِهِ، الْمُتَمَادِي فِي رَذَالَتِهِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَذِيُّ الرَّجُلُ الْفَاحِشُ وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ يَعْنِي بَذِيَّةً، وَقَدْ بَذُوَ بَذَاءً وَبَذَاءَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute