وَلَوْ تَمَّ لَهُ طِبَاعُ الْبَهِيمِيَّةِ مَا أَكَلَ لَحْمَ الْحَيَوَانِ.
نَعَمْ فِي الْحَدِيثِ إطْلَاقُ الْبَهِيمَةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَيْنَمَا امْرَأَةٌ تَمْشِي بِفَلَاةٍ اشْتَدَّ عَلَيْهَا الْعَطَشُ فَنَزَلَتْ بِئْرًا فَشَرِبَتْ، ثُمَّ صَعِدَتْ، فَوَجَدَتْ كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَتْ لَقَدْ بَلَغَ بِهَذَا الْكَلْبِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، ثُمَّ نَزَلَتْ فَمَلَأَتْ خُفَّهَا فَأَمْسَكَتْهُ بِفِيهَا، ثُمَّ صَعِدَتْ فَسَقَتْهُ فَشَكَرَ اللَّهَ لَهَا ذَلِكَ وَغَفَرَ لَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلْبَ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ بَهِيمًا، أَوْ لَا. الْأَوَّلُ يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ.
وَالثَّانِي: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا، أَوْ لَا، الْأَوَّلُ يَجِبُ قَتْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ، وَالْعَقُورُ مُعَلَّمَيْنِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا قَرِيبًا.
وَالثَّانِي: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا، أَوْ لَا. الْأَوَّلُ لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ، وَكَذَا الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَقِيلَ يُكْرَهُ فَقَطْ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ انْتَهَى.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالسَّلُوقِيِّ نِسْبَةً إلَى سَلُوقَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ تُنْسَبُ إلَيْهَا الْكِلَابُ السَّلُوقِيَّةُ وَكِلَا النَّوْعَيْنِ فِي الطَّبْعِ سَوَاءٌ.
حُكْمُ اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يَجُوزُ اقْتِنَاءُ كَلْبٍ كَبِيرٍ لِصَيْدٍ يَعِيشُ بِهِ، أَوْ لِحِفْظِ مَاشِيَةٍ يَرُوحُ مَعَهَا إلَى الْمَرْعَى وَيَتْبَعُهَا، أَوْ لِحِفْظِ زَرْعٍ وَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقِيلَ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِحِفْظِ الْبُيُوتِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِي الرِّعَايَةِ قِيلَ وَبُسْتَانٍ، فَإِنْ اقْتَنَى كَلْبَ الصَّيْدِ مَنْ لَا يَصِيدُ احْتَمَلَ الْجَوَازَ، وَالْمَنْعَ، وَهَكَذَا الِاحْتِمَالَانِ فِيمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لِيَحْفَظَ بِهِ حَرْثًا أَوْ مَاشِيَةً إنْ حَصَلَتْ، أَوْ يَصِيدَ بِهِ إنْ احْتَاجَ.
وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ الثَّلَاثَةِ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ، وَفِي الرِّعَايَةِ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ اقْتِنَاءُ جَرْوٍ صَغِيرٍ حَيْثُ يُقْتَنَى الْكَبِيرُ وَأَمَّا اقْتِنَاءُ الْكِلَابِ لِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ قِيرَاطَانِ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute