للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى أَنْ قَالَ:

شَابَ الصِّبَا وَالتَّصَابِي لَمْ يَشِبْ سَفَهًا ... وَضَاعَ وَقْتُك بَيْنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ

وَشَمْسُ عُمْرِك قَدْ حَانَ الْغُرُوبُ لَهَا ... وَالْغَيُّ فِي الْأُفْقِ الشَّرْقِيِّ لَمْ يَغِبْ

وَمِمَّا أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ:

مَا زِلْت تُتْبِعُ نَظْرَةً فِي نَظْرَةٍ ... فِي إثْرِ كُلِّ مَلِيحَةٍ وَمَلِيحِ

وَتَظُنُّ ذَاكَ دَوَاءَ جُرْحِك وَهُوَ فِي التّ ... تَحْقِيقِ تَجْرِيحٌ عَلَى تَجْرِيحِ

فَذَبَحْت طَرْفَك بِاللِّحَاظِ وَبِالْبُكَا ... فَالْقَلْبُ مِنْك ذَبِيحٌ ابْنُ ذَبِيحِ

مَطْلَبٌ: فِي فَوَائِدِ غَضِّ الْبَصَرِ

فَإِذَا عَلِمْت مَا ذَكَرْنَا لَك، وَتَحَقَّقْت عِظَمَ مَا جَمَعْنَاهُ، وَفَخَامَةَ قَدْرِ مَا نَالَك، فَلْنَذْكُرْ الْكَلَامَ عَلَى فَوَائِدِ غَضِّ الطَّرْفِ، وَآفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَنَكَبَاتِهِ فِي مَقَامَاتٍ:

(الْمَقَامُ الْأَوَّلُ) فِي فَوَائِدِ غَضِّ الْبَصَرِ (إحْدَاهَا) تَخْلِيصُ الْقَلْبِ مِنْ الْحَسْرَةِ فَإِنَّ مَنْ أَطْلَقَ نَظَرَهُ دَامَتْ حَسْرَتُهُ، فَأَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْقَلْبِ إرْسَالُ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيهِ مَا لَا سَبِيلَ إلَى وُصُولِهِ وَلَا صَبْرَ لَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْأَلَمِ.

قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

تَزَوَّدَ مِنْهَا نَظْرَةً لَمْ تَدَعْ لَهُ ... فُؤَادًا وَلَمْ يَشْعُرْ بِمَا قَدْ تَزَوَّدَا

فَلَمْ أَرَ مَقْتُولًا وَلَمْ أَرَ قَاتِلًا ... بِغَيْرِ سِلَاحِ مِثْلَهَا حِينَ أَقْصِدَا

وَقَالَ آخَرُ:

وَمَنْ كَانَ يُؤْتَى مِنْ عَدُوٍّ وَحَاسِدٍ ... فَإِنِّي مِنْ عَيْنِي أُتِيت وَمِنْ قَلْبِي

هُمَا اعْتَوَرَانِي نَظْرَةً ثُمَّ فِكْرَةً ... فَمَا أَبْقَيَا لِي مِنْ رُقَادٍ وَلَا لُبِّ

وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ:

مُتَيَّمٌ يَرْعَى نُجُومَ الدُّجَى ... يَبْكِي عَلَيْهِ رَحْمَةً عَاذِلُهْ

عَيْنِي أَشَاطَتْ بِدَمِي فِي الْهَوَى ... فَابْكُوا قَتِيلًا بَعْضُهُ قَاتِلُهْ

وَلِابْنِ الْقَيِّمِ:

أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَسْرِقْ مَلَاحِظَهُ ... فَسَارِقُ اللَّحْظِ لَا يَنْجُو مِنْ الدَّرَكِ

نَصَبْت طَرْفِي لَهُ لَمَّا بَدَا شَرَكًا ... فَكَانَ قَلْبِي أَوْلَى مِنْهُ بِالشَّرَكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>