قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيَتَوَجَّهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا لِيُبَيِّنَ بِهِ الْجَوَازَ، وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ. وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ، أَوْ لِتَرْكِ الْأَوْلَى. قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَدْ مَرَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا شَرِبَ قَائِمًا فَقَالَ لَهُ: قِهْ، قَالَ: وَلِمَهْ؟ قَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يَشْرَبَ مَعَك الْهِرُّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ شَرِبَ مَعَكَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَشْرَبُ قَائِمًا مَا يَجْعَلُ فِي بَطْنِهِ لَاسْتَقَاءَ» .
فَإِنْ قُلْت: بَيْنَ النَّهْيِ مِنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفِعْلِ مُعَارَضَةٌ. قُلْتُ: لَا مُعَارَضَةَ، وَالْأَخْبَارُ صَحِيحَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِزَعْمِ دَعْوَى النَّسْخِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ فَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى، وَالْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا مَكْرُوهٌ. وَشُرْبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَائِمًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَمَتَى كَانَ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَهُوَ تَشْرِيعٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ لَا مَكْرُوهٌ، بَلْ الْبَيَانُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ " قِه " مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ.
وَمِنْ نَظْمِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ:
إذَا رُمْتَ تَشْرَبُ فَاقْعُدْ تَفُزْ ... بِسُنَّةِ صَفْوَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَقَدْ صَحَّحُوا شُرْبَهُ قَائِمًا ... وَلَكِنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ
مَطْلَبٌ: وَلِلشُّرْبِ قَائِمًا آفَاتٌ، وَلَا يُسَوَّغُ شُرْبُ الْمَاءِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ.
وَفِي زَادِ الْمَعَادِ لِلْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ: مِنْ هَدْيِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّرْبُ قَاعِدًا. كَانَ هَدْيُهُ الْمُعْتَادَ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، فَإِنَّمَا شَرِبَ قَائِمًا لِلْحَاجَةِ.، فَإِنَّهُ جَاءَ إلَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْتَقُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute