مَطْلَبٌ: فِي حُكْمِ قَتْلِ مَا خَلَا مِنْ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَدُودِ ذُبَابٍ:
وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ انْتِفَاعٌ وَلَا أَذًى ... كَدُودِ ذُبَابٍ لَمْ يَضِرْ كُرْهَهُ طَدِ
(وَمَا) أَيْ شَيْءٌ أَوْ الَّذِي (لَمْ يَكُنْ) يُوجَدُ (فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (انْتِفَاعٌ وَلَا أَذَى) ، بَلْ خَلَا عَنْ النَّفْعِ، وَالْأَذَى مَعًا (كَدُودِ ذُبَابٍ) بِإِضَافَةِ دُودٍ إلَى ذُبَابٍ احْتِرَازًا عَنْ مُطْلَقِ الدُّودِ الشَّامِلِ لِدُودِ الْقَزِّ، وَالْقِرْمِزِ الَّذِي يَصْبُغُ بِهِ، وَهُوَ دُودٌ أَحْمَرُ يُوجَدُ فِي شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ صَدَفِيٌّ شَبِيهٌ بِالْحَلَزُونِ يَجْمَعُهُ نِسَاءُ تِلْكَ الْبِلَادِ بِأَفْوَاهِهِنَّ وَالدِّيدَانُ الْمَمْلُوكُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِصَيْدِ سَمَكٍ، وَالْعَلَقُ لِمَصِّ دَمٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَمْلُوكًا، فَإِنَّ قَتْلَهُ مُحَرَّمٌ بِخِلَافِ دُودِ الذُّبَابِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِهِ.
وَالدُّودُ جَمْعُ دُودَةٍ وَجَمْعُ الدُّودِ دِيدَانٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مِحْرَابِهِ فَأَبْصَرَ دُودَةً صَغِيرَةً قَالَ فَفَكَّرَ فِي خَلْقِهَا، وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي خَلْقِ هَذِهِ قَالَ: فَأَنْطَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَتْ: يَا دَاوُد تُعْجِبُك نَفْسُك لَأَنَا عَلَى قَدْرِ مَا آتَانِي اللَّهُ أَذْكُرُ اللَّهَ وَأَشْكَرُ لَهُ مِنْك عَلَى مَا آتَاك اللَّهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] .
وَالذُّبَابُ وَاحِدَتُهُ ذُبَابَةٌ وَلَا تَقُلْ ذِبَّانَةً وَجَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ أَذِبَّةٌ، وَفِي الْكَثْرَةِ ذِبَّانٍ بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ مِثْلُ غُرَابٍ وَأَغْرِبَةٍ وَغِرْبَانٍ. سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «الذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ إلَّا النَّحْلَ» قِيلَ كَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ بِعَذَابٍ لَهُ، بَلْ لِيُعَذَّبَ بِهِ أَهْلُ النَّارِ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ وَابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ دَوَاءً، وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» .
وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ «إنَّ أَحَدَ جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ، وَالْآخَرَ شِفَاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلْهُ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» .
قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ: وَقَدْ تَأَمَّلْت الذُّبَابَ فَوَجَدْته يَتَّقِي بِجُنَاحِهِ الْأَيْسَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute