وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْحُورَ الْعِينَ بِأَوْصَافٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَنَّهُنَّ حُورٌ؛ وَالْحَوَرُ شِدَّةُ بَيَاضِ أَبْيَضِ الْعَيْنِ وَشِدَّةُ سَوَادِ أَسْوَدِهَا. وَقِيلَ الْعَيْنُ الَّتِي بَدَنُهَا أَسْوَدُ كَعَيْنِ الْمَهَا وَبَقَرِ الْوَحْشِ. وَالْعَيْنُ جَمْعُ عَيْنَاءُ؛ وَهِيَ وَسِيعَةُ الْعَيْنِ. وَوَصَفَهُنَّ بِأَنَّهُنَّ كَوَاعِبُ جَمْعُ كَاعِبٍ؛ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَدْ تَكَعَّبَ ثَدْيُهَا وَاسْتَدَارَ وَلَمْ يَتَدَلَّ إلَى أَسْفَلَ؛ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ خَلْقِ النِّسَاءِ وَهُوَ مُلَازِمٌ لِسِنِّ الشَّبَابِ.
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ. وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُشَوِّقُ أَهْلَ الْإِيمَانِ إلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ؛ لِيَدْخُلُوا فَسَيَّحَ الْجِنَانِ. وَيَتَنَعَّمُوا بِالْحُورِ الْحِسَانِ. وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ. .
ثُمَّ إنَّ النَّاظِمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَسُرُّ زَوْجَهَا إذَا نَظَرَ إلَيْهَا أَوْصَافًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِي أَوْصَافِ الْمَرْأَةِ الْمَحْمُودَةِ:
قَصِيرَةُ أَلْفَاظٍ قَصِيرَةُ بَيْتِهَا ... قَصِيرَةُ طَرْفِ الْعَيْنِ عَنْ كُلِّ أَبْعَدِ
(قَصِيرَةُ أَلْفَاظٍ) أَيْ لَيْسَتْ طَوِيلَةَ اللِّسَانِ عَلَى زَوْجِهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلَا هِيَ قَبِيحَةُ الْأَلْفَاظِ بِحَيْثُ أَنَّهَا تَسْتَطِيلُ عَلَى بَعْلِهَا بِكَلَامِهَا وَلَا هِيَ بِالْبَذِيَّةِ بَلْ قَصِيرَةُ اللِّسَانِ وَالْأَلْفَاظِ لَا تَتَكَلَّمُ إلَّا بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ. وَهَذَا قِصَرٌ مَعْنَوِيٌّ (قَصِيرَةُ بَيْتِهَا) أَيْ مَقْصُورَةٌ عَلَى بَيْتِهَا لَا تَدُورُ فِي الْبُيُوتِ وَالْأَسْوَاقِ. بَلْ لَا تَزَالُ مُقِيمَةً فِي بَيْتِهَا مَقْصُورَةً فِيهِ. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: ٧٢] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ أَيْ مَسْتُورَاتٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَقْصُورَاتُ الْمَحْبُوسَاتُ.
قَالَ الْإِمَام الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي حَادِي الْأَرْوَاحِ إلَى مَنَازِلِ الْأَفْرَاحِ. وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ وَهُمْ فِي الْخِيَامِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ قُصِرْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَلَا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ وَلَا يَطْمَحْنَ إلَى سِوَاهُمْ؛ ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ (قَصِيرَةُ طَرْفِ الْعَيْنِ) أَيْ لَا تَطْمَحُ بِطَرْفِهَا إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (عَنْ كُلِّ) رَجُلٍ (أَبْعَدِ) بَلْ طَرْفُهَا مَقْصُورٌ عَلَى زَوْجِهَا فَقَطْ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَّحِدٌ هُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي. لَكِنَّ هُنَا قَاصِرَاتٌ الطَّرْفِ بِأَنْفُسِهِنَّ وَهُنَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute