وَيُورِثُ جَلَاءَ الْقَلْبِ مِنْ صَدَاهُ، فَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ صَدًى وَصَدَى الْقَلْبِ الْغَفْلَةُ وَالْهَوَى، وَجَلَاءُ الذِّكْرِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَيَحُطُّ الْخَطَايَا وَيُذْهِبُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْحَسَنَاتِ، وَالْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ.
وَيُزِيلُ الْوَحْشَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَهُوَ مَنْجَاةٌ لِلْعَبْدِ عَنْ عَذَابِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُرْوَى مَرْفُوعًا «مَا عَمَلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ السَّكِينَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَغَشَيَانِ الرَّحْمَةِ لَهُ، وَحُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ بِهِ وَهُوَ غِرَاسُ الْجَنَّةِ. فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيت إبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَك السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» .
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
مَطْلَبٌ: يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُدِيمَ الذِّكْرَ فِي جَمِيعِ الْأَحْيَانِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُدِيمَ الذِّكْرَ فِي جَمِيعِ الْأَحْيَانِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي حَالِ ذِكْرِهِ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَأَتَمِّهَا، مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ، خَاشِعًا حَاضِرَ الْقَلْبِ، كَأَنَّك تَرَى مَذْكُورَك وَتُخَاطِبُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك. قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: ٢٠٥] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» . وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الذِّكْرِ لِمُحْدِثٍ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ الذِّكْرَ لِلْمُحْدِثِ مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» . وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ الْقُرَشِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute