مَطْلَبٌ: يُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ بِالْأَكْلِ، وَأَنَّهُ دَنَاءَةٌ
وَيُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ لِلْأَكْلِ نَهْمَةً ... وَلَكِنَّ رَبَّ الْبَيْتِ إنْ شَاءَ يَبْتَدِي
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ الَّذِينَ قَدَّمَ لَهُمْ الزَّادَ (سَبْقُ الْقَوْمِ) الَّذِينَ هُوَ مَعَهُمْ فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ (لِلْأَكْلِ) قَبْلَ أَنْ يَمُدَّ الْآكِلُونَ أَيْدِيَهُمْ (نَهْمَةً) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: النَّهَمُ مُحَرَّكَةٌ وَالنَّهَامَةُ كَسَحَابَةٍ إفْرَاطُ الشَّهْوَةِ فِي الطَّعَامِ وَأَنْ لَا تَمْتَلِئَ عَيْنُ الْآكِلِ وَلَا يَشْبَعَ وَالنَّهِمَةُ الْحَاجَةُ وَبُلُوغُ الْهِمَّةِ وَالشَّهْوَةُ فِي الشَّيْءِ، وَهُوَ مَنْهُومٌ بِكَذَا مُولَعٌ فِيهِ.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: النَّهِمَة بُلُوغُ الْهِمَّةِ فِي الشَّيْءِ وَمِنْهُ أَنْهَمَ مِنْ الْجُوعِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا» انْتَهَى.
وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ وَجَشَاعَةٌ، وَهِيَ أَشَدُّ الْحِرْصِ قَالَ الشَّنْفَرَى يَمْدَحُ نَفْسَهُ فِي لَامِيَّتِهِ الْمَشْهُورَةِ بِلَامِيَّةِ الْعَرَبِ، وَهِيَ قَصِيدَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ فِيهَا:
وَكُلٌّ أَبِيٌّ بَاسِلٌ غَيْرَ أَنَّنِي ... إذَا عَرَضَتْ أُولَى الطَّرَائِدِ أَبْسَلُ
وَإِنْ مُدَّتْ الْأَيْدِي إلَى الزَّادِ لَمْ أَكُنْ ... بِأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعْجَلُ
وَمَا ذَاكَ إلَّا بَسْطَةٌ عَنْ تَفَضُّلٍ ... عَلَيْهِمْ وَكَانَ الْأَفْضَلَ الْمُتَفَضِّلُ
فَقَوْلُهُ: وَكُلُّ أَبِيٍّ إلَخْ الْأَبِيُّ هُوَ حَمِيُّ الْأَنْفِ الَّذِي لَا يُقِرُّ لِلضَّيْمِ، وَالْبَاسِلُ الْكَرِيهُ وَالطَّرَائِدُ الَّتِي تَطْرُدُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَكُلُّ أَيْ كُلُّهُمْ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَهُوَ يُرِيدُهُ وَبَقِيَ حُكْمُ الْإِضَافَةِ، وَهُوَ تَعْرِيفُ كُلٍّ وَلِذَلِكَ تَقُولُ: مَرَرْت بِكُلِّ قَائِمًا وَبِكُلِّ قَاعِدًا فَتَنْصِبُ عَنْهُ الْحَالَ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ} [الأنعام: ١٣٢] {وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ} [هود: ١٢٠] فَكُلٌّ مُبْتَدَأٌ وَأَبِيٌّ خَبَرُهُ وَبَاسِلٌ خَبَرٌ ثَانٍ، أَوْ وَصْفُ الْخَبَرِ، وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّنِي اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ تَقْدِيرُهُ: لَكِنْ أَنَا أَبْسَلُ مِنْهُمْ أَيْ أَشْجَعُ وَقْتَ ظُهُورِ الطَّرِيدَةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ فُرْسَانِ الْخَيْلِ، أَوْ بِمَعْنَى مَطْرُودَةٍ أَيْ الْخَيْلِ الَّتِي يَطْرُدُهَا فُرْسَانٌ أُخَرُ، وَقَوْلُهُ أَجْشَعُ أَيْ أَحْرَصُ وَبِأَعْجَلِهِمْ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِشَيْءٍ وَحَسُنَتْ زِيَادَتُهَا مِنْ أَجْلِ النَّفْيِ بِلَمْ، وَهِيَ بِمَعْنَى مَا كُنْت وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ وَمَا ذَاكَ إلَّا بَسْطَةٌ أَيْ سَعَةٌ وَذَاكَ كِنَايَةٌ عَنْ أَخْلَاقِهِ الَّتِي شَرَحَهَا، وَالْمَعْنَى مَالِي حَالٌ أَوْ خُلُقٌ إلَّا كَذَا، وَكَذَا " وَعَنْ تَفَضُّلٍ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرُ ذَاكَ وَعَلَيْهِمْ يَتَعَلَّقُ بِتَفَضُّلٍ، وَ " الْأَفْضَلَ " خَبَرُ كَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْمِهَا، وَالْمَعْنَى: وَكَانَ الْمُتَفَضِّلُ الْأَفْضَلَ يَعْنِي أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute