مِنْهَا فَرَاشًا أَبْيَضَ لَهُ جَنَاحَانِ لَا يَسْكُنَانِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَعِنْدَ خُرُوجِهِ يَهِيجُ إلَى السِّفَادِ فَيُلْصِقُ الذَّكَرُ ذَنَبَهُ بِذَنَبِ الْأُنْثَى وَيَلْتَحِمَانِ مُدَّةً، ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ وَتُبْرِزُ الْأُنْثَى الْبَزْرَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى خِرَقٍ بِيضٍ تُفْرَشُ لَهُ قَصْدًا إلَى أَنْ يَنْفَدَ مَا فِيهَا مِنْهُ، ثُمَّ يَمُوتَانِ. هَذَا إذَا أُرِيدَ مِنْهُمَا الْبِزْرُ، وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ الْحَرِيرُ تُرِكَ فِي الشَّمْسِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ النَّسْجِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَيَمُوتُ.
وَفِيهِ مِنْ أَسْرَارِ الطَّبِيعَةِ أَنَّهُ يَهْلِكُ مِنْ صَوْتِ الرَّعْدِ وَضَرْبِ الطَّسْتِ، وَالْهَاوُنِ وَمِنْ شَمِّ الْخَلِّ وَالدُّخَانِ وَمَسِّ الْحَائِضِ، وَالْجُنُبِ وَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَأْرِ، وَالْعُصْفُورِ وَالنَّمْلِ، وَالْوَزَغِ وَكَثْرَةِ الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ.
قَالَ فِي قُوتِ الْقُلُوبِ: مَثَّلَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ ابْنَ آدَمَ بِدُودَةِ الْقَزِّ لَا يَزَالُ يَنْسِجُ عَلَى نَفْسِهِ بِجَهْلِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ مَخْلَصٌ فَيَقْتُلَ نَفْسَهُ وَيَصِيرَ الْقَزُّ لِغَيْرِهِ وَرُبَّمَا قَتَلُوهُ إذَا فَرَغَ مِنْ نَسْجِهِ؛ لِأَنَّ الْقَزَّ يَلْتَفُّ عَلَيْهِ فَيَرُومُ الْخُرُوجَ فَيُشَمَّسُ وَرُبَّمَا غُمِزَ بِالْأَيْدِي حَتَّى يَمُوتَ لِئَلَّا يُقَطِّعَ الْقَزَّ وَلِيَخْرُجَ الْقَزُّ صَحِيحًا فَهَذِهِ صُورَةُ الْمُكْتَسِبِ الْجَاهِلِ الَّذِي أَهْلَكَهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَتَنْعَمَ وَرَثَتُهُ بِمَا شَقِيَ هُوَ بِهِ، فَإِنْ أَطَاعُوا بِهِ كَانَ أَجْرُهُ لَهُمْ وَحِسَابُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَصَوْا بِهِ كَانَ شَرِيكَهُمْ فِي الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي ارْتِكَابِهِمْ لَهَا بِهِ فَلَا يُدْرَى أَيُّ الْحَسْرَتَيْنِ عَلَيْهِ أَعْظَمُ: إذْهَابُهُ عُمْرَهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ نَظَرُهُ لِمَا لَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ.
مَطْلَبٌ: إذَا تَرَكَ الْمَوْرُوثُ مَالًا وَعَصَى بِهِ الْوَرَثَةُ هَلْ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُمْ فِي الْمَعْصِيَةِ أَمْ لَا؟
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَلَفَ مَالًا فَعَصَى بِهِ الْوَرَثَةُ يَكُونُ الْمُوَرِّثُ شَرِيكًا لَهُمْ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَأَجَبْت عَنْهَا بِأَنَّهُ إنْ كَانَ اكْتَسَبَ الْمَالَ مِنْ وَجْهِ حِلٍّ وَأَدَّى الْحُقُوقَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لَمْ يَكُنْ وَجْهٌ لِمُشَارَكَةِ الْوَرَثَةِ فِي مَعْصِيَتِهِمْ بِالْمَالِ بِلَا مُحَالٍ.
وَأَمَّا إذَا جَمَعَهُ مِنْ حِلٍّ وَحَرَمٍ وَمَنَعَ مِنْهُ الْحُقُوقَ الْمَطْلُوبَةَ شَرْعًا، فَهَذَا يُعَذَّبُ بِنَفْسِ الْجَمْعِ، وَالْمَنْعِ، لَا بِمَعْصِيَةِ غَيْرِهِ. وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ: أَشَدُّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ جَمَعَ مَالَهُ مِنْ حِلٍّ وَحَرَمٍ وَمَنَعَ مِنْهُ حُقُوقَ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَجَاءَ وَارِثُهُ فَوَجَدَ مَالًا حَاصِلًا مُجْتَمِعًا فَصَرَفَهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، ثُمَّ مَاتَ فَدَخَلَ بِهِ الْجَنَّةَ فَذَاكَ جَمَعَهُ وَصَرَفَ فِي جَمْعِهِ عُمُرَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهِ النَّارَ، وَهَذَا وَجَدَهُ مَجْمُوعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute