للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَارِيَةً بِثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ. وَمَا زَالَ الزَّمَانُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ؛ إلَى أَنْ آلَ الْحَالُ إلَى انْمِحَاقِ الرِّجَالِ؛ وَصَارَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعَ بْنَ لُكَعٍ فَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

مَطْلَبٌ: الصَّوْمُ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ.

وَلَمَّا نَهَى النَّاظِمُ الْفَقِيرَ عَنْ النِّكَاحِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ شَدِيدَةٌ وَيَحْتَاجُ إلَى كَسْرِهَا بِنَوْعٍ مَا أَرْشَدَهُ إلَى كَسْرِ الشَّهْوَةِ بِالصَّوْمِ فَقَالَ (وَلُذْ) أَيْ اسْتَتِرْ وَاحْتَمِ مِنْ اللَّوْذِ بِالشَّيْءِ وَهُوَ الِاسْتِتَارُ بِهِ كَاللِّوَازِ مُثَلَّثَةٌ وَاللِّيَاذُ وَالْمُلَاوَذَةُ وَالْمَلَاذُ الْحِصْنُ أَيْ تَسَتَّرْ وَتَحَصَّنْ (بِوِجَاءِ الصَّوْمِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْوِجَاءُ أَنْ تُرَضَّ أُنْثَيَا الْفَحْلِ رَضًّا شَدِيدًا يُذْهِبُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ، وَيَتَنَزَّلُ فِي قِطْعَةِ الْخِصَاءِ وَقَدْ وَجِيءَ وِجَاءً فَهُوَ مَوْجُوءٌ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُوجَأَ الْعُرُوقُ وَالْخُصْيَتَانِ بِحَالِهِمَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ النِّكَاحَ. وَإِضَافَةُ الْوِجَاءِ إلَى الصَّوْمِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِمَوْصُوفِهَا. أَيْ وَلُذْ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ وِجَاءٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْبَاءَةُ وَالْبَاءُ النِّكَاحُ. وَفِي لَفْظٍ " عَلَيْكُمْ بِالْبَاءِ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ: وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَمْرَ الْعَزَبِ بِالتَّزْوِيجِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَمْرَ الْمُتَزَوِّجِ بِالْبَاءَةِ، وَالْبَاءَةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْوَطْءِ. وَقَوْلُهُ «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ» فُسِّرَتْ الْبَاءَةُ بِالْوَطْءِ، وَفُسِّرَتْ بِمُؤَنِ النِّكَاحِ وَلَا يُنَافِي التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ إذْ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا مُؤَنِ الْبَاءَةِ ثُمَّ قَالَ «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَأَرْشَدَهُمْ إلَى الدَّوَاءِ الشَّافِي الَّذِي وُضِعَ لِهَذَا الْأَمْرِ، ثُمَّ نَقَلَهُمْ عَنْهُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى الْبَدَلِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَكْسِرُ شَهْوَةَ النَّفْسِ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهَا مَجَارِيَ الشَّهْوَةِ، فَإِنَّهَا تَقْوَى بِكَثْرَةِ الْغِذَاءِ، وَقَلَّ مَنْ أَدَمْنَ الصَّوْمَ إلَّا وَمَاتَتْ شَهْوَتُهُ أَوْ ضَعُفَتْ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>