وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّا نَعْنِي بِالْكِبْرِ الَّذِي لَا يُدْخِلُ صَاحِبَهُ الْجَنَّةَ كِبْرَ الْكُفْرِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَتَكَبَّرُ عَلَى الْخَالِقِ لِفَرْطِ جَهْلِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ، وَلَا يَعْبُدُهُ، وَرُبَّمَا تَكَبَّرَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَهَذَا كَافِرٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَبَدًا.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» يَعْنِي كِبْرَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠] أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَهُ فِي نَقِيضِهِ بِالْإِيمَانِ فَقَالَ: وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ، أَرَادَ دُخُولَ تَأْبِيدٍ.
وَقِيلَ: أَرَادَ إذَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ نُزِعَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الْكِبْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الحجر: ٤٧] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مِنْ بَطَرِ الْحَقِّ» هَذَا الْحَدِيثُ مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ ذُو الْكِبْرِ، أَوْ لَكِنْ الْكِبْرُ كِبْرُ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: ١٨٩] .
انْتَهَى.
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَنْشَأِ الْعُجْبِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ.
(الْخَامِسُ) : الْعَجَبُ إنَّمَا يَكُونُ وَيُوجَدُ مِنْ الْإِنْسَانِ لِاسْتِشْعَارِ وَصْفِ كَمَالٍ، وَمَنْ أُعْجِبَ بِعَمَلِهِ اسْتَعْظَمَهُ فَكَأَنَّهُ يَمُنُّ عَلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِطَاعَتِهِ، وَرُبَّمَا ظَنَّ أَنَّهَا جَعَلَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَوْضِعًا، وَأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْجَبَ بِهَا جَزَاءً، وَيَكُونُ قَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ، فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحُّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» وَرُبَّمَا مَنَعَهُ عُجْبُهُ مِنْ الِازْدِيَادِ، وَلِهَذَا قَالُوا: عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ.
وَمَا أَضَرَّ الْعُجْبَ بِالْمَحَاسِنِ.
وَسَبَبُ الْعُجْبِ وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ الْمَحْضُ.
وَمَنْ أُعْجِبَ بِطَاعَتِهِ مَثَلًا فَمَا فَهِمَ أَنَّهَا بِالتَّوْفِيقِ حَصَلَتْ.
فَإِنْ قَالَ: رَآنِي أَهْلًا لَهَا فَوَفَّقَنِي.
قِيلَ لَهُ: فَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنْ مَنِّهِ وَفَضْلِهِ فَلَا تُقَابَلُ بِالْإِعْجَابِ.
وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ - طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ -: إذَا تَمَّ عِلْمُ الْإِنْسَانِ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ عَمَلًا، وَلَمْ يُعْجَبْ بِهِ لِأَشْيَاءَ: مِنْهَا أَنَّهُ وُفِّقَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ، وَحَبَّبَ إلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا قِيسَ بِالنِّعَمِ لَمْ يَفِ