للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمِعْشَارِ عُشْرِهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا لُوحِظَتْ عَظَمَةُ الْمَخْدُومِ اُحْتُقِرَ كُلُّ عَمَلٍ وَتَعَبُّدٍ.

هَذَا إذَا سَلِمَ مِنْ شَائِبَةٍ وَخَلَصَ مِنْ غَفْلَةٍ، فَأَمَّا وَالْغَفَلَاتُ تُحِيطُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغَلِّبَ الْحَذَرَ مِنْ رَدِّهِ وَيَخَافَ الْعِقَابَ عَلَى التَّقْصِيرِ فِيهِ فَيَشْتَغِلَ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَتَأَمَّلْ عَلَى الْفُطَنَاءِ أَحْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ.

فَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ قَالُوا: مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك.

وَالْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: ٨٢] وَمَا دَلَّ بِصَبْرِهِ عَلَى النَّارِ وَتَسْلِيمِهِ الْوَلَدَ إلَى الذَّبْحِ.

وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَا مِنْكُمْ مَنْ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ» .

وَعُمَرُ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعًا عَلَى الْأَرْضِ لَافْتَدَيْت بِهَا مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي قَبْلَ (أَنْ) أَعْلَمَ مَا الْخَبَرُ.

وَابْنُ مَسْعُودٍ: يَقُولُ: وَدِدْت إذْ مِتُّ لَا أُبْعَثُ.

وَعَائِشَةُ تَقُولُ: لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا.

وَهَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ صُلَحَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْإِفْهَامِ لِمَا شَرَحْته؛ لِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَعْمَالِهِمْ فَأَدَلُّوا بِهَا.

مَطْلَبٌ: حِكَايَةُ الْعَابِدِ.

فَمِنْهُ حَدِيثُ الْعَابِدِ الَّذِي تَعَبَّدَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ فِي جَزِيرَةٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، وَسَأَلَ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُمِيتَهُ فِي سُجُودِهِ، فَإِذَا حُشِرَ قِيلَ لَهُ اُدْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، قَالَ بَلْ بِعَمَلِي، فَيُوزَنُ جَمِيعُ عَمَلِهِ بِنِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَفِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بِرَحْمَتِك.

قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَرِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قَالَ جَابِرٌ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّ لِلَّهِ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ عَبَدَ اللَّهَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي الْبَحْرِ، عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، وَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَأَخْرَجَ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الْأُصْبُعِ تَبِضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ، فَيَسْتَنْقِعُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>