وَلَا خُلْفَ مِنْهَا، فَإِنَّ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ الْيَسِيرَةِ خُلُودُ الْأَبَدِ فِي النَّعِيمِ، أَوْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَإِذَا عَادَلْت هَذِهِ الْحَيَاةَ بِخُلُودِ الْأَبَدِ عَلِمْت أَنَّ كُلَّ نَفَسٍ يَعْدِلُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفِ عَامٍ فِي نَعِيمٍ لَا خَطَرَ لَهُ أَوْ خِلَافَ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا قِيمَةَ لَهُ. فَلَا تُضَيِّعْ جَوَاهِرَ عُمْرِك النَّفِيسَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَلَا تُذْهِبُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاجْتَهِدْ أَنْ لَا يَخْلُوَ نَفَسٌ مِنْ أَنْفَاسِك إلَّا فِي عَمَلِ طَاعَةٍ أَوْ قُرْبَةٍ تَتَقَرَّبُ بِهَا. فَإِنَّك لَوْ كَانَتْ مَعَك جَوْهَرَةٌ مِنْ جَوَاهِرِ الدُّنْيَا لَسَاءَك ذَهَابُهَا فَكَيْفَ تُفَرِّطُ فِي سَاعَاتِك وَأَوْقَاتِك. وَكَيْفَ لَا تَحْزَنُ عَلَى عُمْرِك الذَّاهِبِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، انْتَهَى.
مَطْلَبٌ: إيَّاكَ وَالْغَبَنَ وَالتَّمَادِي فِي الْكَسَلِ وَهَوَى النَّفْسِ.
(وَلَا تَغْبِنَنْ) نَهْيٌ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَبِنَ الشَّيْءُ وَفِيهِ كَفَرِحِ غَبْنًا وَغَبَنًا نَسِيَهُ أَوْ أَغْفَلَهُ أَوْ غَلِطَ فِيهِ، وَغَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ يَغْبِنُهُ غَبْنًا وَيُحَرَّكُ أَوْ بِالتَّسْكِينِ فِي الْبَيْعِ، وَبِالتَّحْرِيكِ فِي الرَّأْي خَدَعَهُ.
وَفِي الْمُطْلِعِ فِي خِيَارِ الْغَبَنِ قَالَ: الْغَبْنُ بِسُكُونِ الْبَاءِ مَصْدَرُ غَبَنَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ يَغْبِنُهُ بِكَسْرِهَا إذَا نَقَصَهُ. وَيُقَالُ غَبِنَ رَأْيُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ ضَعُفَ غَبَنًا بِالتَّحْرِيكِ انْتَهَى.
(فِي الْغُمَّتَيْنِ) كَذَا رَأَيْته فِي النُّسَخِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ تَثْنِيَةُ غُمَّةٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَعَلَّهُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَالنُّونِ وَالْمِيمِ تَثْنِيَةُ غُنْمَةٍ بِمَعْنَى غُنْمٌ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْفَيْءُ وَأَرَادَ بِهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ. وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا النِّعْمَتَيْنِ تَثْنِيَةُ نِعْمَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَوْ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ الْيَوْمُ ضَيْفُك، وَالضَّيْفُ مُرْتَحِلٌ يَحْمَدُك أَوْ يَذُمُّك، وَكَذَلِكَ لَيْلَتُك.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا إلَّا يُنَادِي: ابْنَ آدَمَ اغْتَنِمْنِي لَعَلَّهُ لَا يَوْمَ لَك بَعْدِي، وَلَا لَيْلَةَ إلَّا تُنَادِي: ابْنَ آدَمَ اغْتَنِمْنِي لَعَلَّهُ لَا لَيْلَةَ لَك بَعْدِي» .
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اعْمَلُوا لِأَنْفُسِكُمْ رَحِمَكُمْ اللَّهُ فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute