الْعَمَى مَا يَخْلُفُهُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَهُ الْوَاسِطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَلِأَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الْكِبْرِ أَنْ يَطْلُبَ إقَامَةَ جَاهِهِ، وَكَسْرَ غَيْرِهِ، وَالِانْتِقَامَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَذْكُرَ أَحَدًا إلَّا انْتَقَصَهُ، وَذَكَرَ عُيُوبَهُ، وَنَسِيَ فَضَائِلَهُ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ نَفْسِهِ، وَكُلُّ هَذَا مَذْمُومٌ طَبْعًا.
وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمَا عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي اقْتِفَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نَوْعَيْ الِاسْتِطَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَطِيلَ إنْ اسْتَطَالَ بِحَقٍّ فَهُوَ الْمُفْتَخِرُ، وَإِنْ اسْتَطَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ الْبَاغِي.
فَلَا يَحِلُّ لَا هَذَا، وَلَا هَذَا.
وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(تَتِمَّةٌ) فِي فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ:
مَطْلَبٌ: التَّوَاضُعُ مَحْمُودٌ شَرْعًا وَطَبْعًا.
(الْأُولَى) : التَّوَاضُعُ مَحْمُودٌ شَرْعًا وَطَبْعًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ أَحَدٌ إلَّا رَفَعَهُ» .
وَعَنْ نَصِيحٍ الْعَنْسِيِّ عَنْ رَكْبٍ الْمِصْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ طُوبَى لِمَنْ طَابَ كَسْبُهُ وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَكَرُمَتْ عَلَانِيَتُهُ، وَعَزَلَ عَنْ النَّاسِ شَرَّهُ طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَقَدْ حَسَّنَهُ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً يَرْفَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً يَضَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ» زَادَ ابْنُ حِبَّانَ «وَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ عَلَيْهَا بَابٌ وَلَا كُوَّةٌ لَخَرَجَ مَا غَيَّبَهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute