إذَا عُدِمَ ذَلِكَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ الْمُقَارِبَةِ أَوْ لِخَفَاءِ الْأَدِلَّةِ فِيهَا، وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيَّةً طَعْنٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَسَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ.
وَقَدْ تَيَقَّنَّا صِحَّةَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا، مِثْلَ كَوْنِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَأَنَّ الْجِمَاعَ الْمُجَرَّدَ عَنْ إنْزَالٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَأَنَّ رِبَا الْفَضْلِ وَالْمُتْعَةِ حَرَامٌ.
وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ رَحِمَهُ اللَّهِ وَرَضِيَ عَنْهُ: يُعِيدُ مَنْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ وَمَنْ لَمْ يُوَقِّتْ الْمَسْحَ نَصَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مُتَأَوِّلٍ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَالْآثَارِ فِيهِ، فَأَفْهَمَنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَدَمُ الْإِنْكَارِ فِي مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا صَرِيحًا مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ وَإِجْمَاعٍ قَدِيمٍ.
وَأَمَّا مَتَى خَالَفَتْ ذَلِكَ سَاغَ الْإِنْكَارُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ مَتَى تَعَارَضَ سُنَّتَانِ فَلَا يَخْلُو، فَإِمَّا أَنْ تُقَارِبَهَا فِي الصِّحَّةِ بِحَيْثُ يَسُوغُ الْعَمَلُ بِهَا، وَتَصْلُحَ أَنْ تَكُونَ دَلِيلًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا يَسُوغُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهَا وَإِلَّا سَاغَ الْإِنْكَارُ، فَلَاعِبُ الشِّطْرَنْجِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَتَارِكُ الطُّمَأْنِينَةِ، لِصِحَّةِ السُّنَّةِ فِي الثَّانِيَةِ وَكَثْرَتِهَا فِي الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. .
مَطْلَبٌ: فِيمَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا وَخَالَفَهُ بِلَا دَلِيلٍ
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ الْكُبْرَى: مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرُ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ وَلَا عُذْرٍ. كَذَا ذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَلْزَمُ كُلَّ مُقَلِّدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَشْهَرِ وَلَا يُقَلِّدَ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَقِيلَ بَلَى، وَقِيلَ ضَرُورَةٌ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ، وَعَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ، فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَهَذَا مُنْكَرٌ، قَالَ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَعْتَقِدَ أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ثُمَّ إذَا طُلِبَتْ مِنْهُ شُفْعَةُ الْجِوَارِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute