لَمْ يَصْرِفْ مِنْ عُمُرِهِ فِي جَمْعِهِ لَحْظَةً وَاحِدَةً وَدَخَلَ بِهِ الْجَنَّةَ.
وَمِثْلُ هَذَا عَالِمٌ عَلَّمَ النَّاسَ الْعِلْمَ فَانْتَفَعُوا بِعِلْمِهِ فَدَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَهُوَ دَخَلَ النَّارَ لِعَدَمِ عَمَلِهِ بِمَا يَعْلَمُ، وَكَذَا رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَوْلَاهُ دَخَلَ النَّارَ بِإِسَاءَتِهِ إلَيْهِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَأَشَارَ أَبُو الْفَتْحِ الْبُسْتِيُّ إلَى قَضِيَّةِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ تَشْبِيهِ الْإِنْسَانِ بِدُودِ الْقَزِّ فَقَالَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَرْءَ طُولَ حَيَاتِهِ ... مُعَنًّى بِأَمْرٍ لَا يَزَالُ يُعَالِجُهْ
كَدُودِ الْقَزِّ يَنْسِجُ دَائِمًا ... وَيَهْلِكُ غَمًّا وَسْطَ مَا هُوَ نَاسِجُهْ
(وَقَالَ آخَرُ)
يُفْنِي الْحَرِيصُ بِجَمْعِ الْمَالِ مُدَّتَهُ ... وَلِلْحَوَادِثِ مَا يُبْقِي وَمَا يَدَعُ
كَدُودَةِ الْقَزِّ مَا تَبْنِيهِ يُهْلِكُهَا ... وَغَيْرُهَا بِاَلَّذِي تَبْنِيهِ يَنْتَفِعُ
مَطْلَبٌ: فِي جَوَازِ التَّدْخِينِ لِلزُّنْبُورِ وَفِيهِ حِكَايَتَانِ لَطِيفَتَانِ.
(وَ) قَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (تَدْخِينَ زُنْبُورٍ) ، وَهُوَ الدَّبْرُ وَيُؤَنَّثُ وَرُبَّمَا سُمِّيَتْ النَّحْلَةُ زُنْبُورًا، وَالْجَمْعُ الزَّنَابِيرُ، وَهُوَ مَقْسُومٌ مِنْ وَسَطِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَتَنَفَّسُ مِنْ جَوْفِهِ أَلْبَتَّةَ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: قَدْ يُجْعَلُ الْمُتَوَقَّعُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ، وَهُوَ طِفْلٌ يَبْكِي فَقَالَ: لَهُ مَا أَبْكَاك فَقَالَ: لَسَعَنِي طَائِرٌ كَأَنَّهُ مُلْتَفٌّ فِي بَرَدَى حَبَرَةٍ فَقَالَ حَسَّانُ: يَا بُنَيَّ قُلْتَ الشِّعْرَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَعْنِي سَتَقُولُهُ جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِي الزُّنْبُورِ:
وَلِلزُّنْبُورِ وَالْبَازِي جَمِيعًا ... قُوَى الطَّيَرَانِ أَجْنِحَةٌ وَخَفْقٌ
وَلَكِنْ بَيْنَ مَا يَصْطَادُ بَازٌ ... وَمَا يَصْطَادُهُ الزُّنْبُورُ فَرْقُ
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ وَمَعَنَا رَجُلٌ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَنَهَيْنَاهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَخَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَاتِهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الزَّنَابِيرُ فَاسْتَغَاثَ فَأَغَثْنَاهُ فَحَمَلَتْ عَلَيْنَا فَتَرَكْنَاهُ، فَمَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ حَتَّى قَطَّعَتْهُ قِطَعًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ سَبُعٍ فِي شِفَاءِ الصُّدُورِ وَزَادَ عَلَيْهِ فَحَفَرْنَا لَهُ قَبْرًا فَصَلُبَتْ الْأَرْضُ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى حَفْرِهَا فَأَلْقَيْنَاهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا عَلَيْهِ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، وَالْحِجَارَةِ وَجَلَسَ