فَإِنَّهُنَّ أَنْتَقُ أَرْحَامًا، وَأَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَقَلُّ خِبًّا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» الْخَبُّ الْخِدَاعُ.
وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا، وَأَسْخَنُ إقْبَالًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنْ الْعَمَلِ» فَإِنْ كَانَ مَصْلَحَةً فِي تَزْوِيجِ الْأَرْمَلَةِ كَمَا فَعَلَ جَابِرٌ لِتَقُومَ بِأَوَدِهِ وَتَكْفُلَ وَلَدَهُ كَانَ ذَلِكَ مَنْدُوبًا أَيْضًا فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا. وَقَالُوا فِي الْأَبْكَارِ: أَشْهَى الْمَطِيِّ مَا لَمْ يُرْكَبْ، وَأَحَبُّ اللَّآلِئِ مَا لَمْ يُثْقَبْ، وَنَظَمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
قَالُوا نَكَحْت صَغِيرَةً فَأَجَبْتُهُمْ ... أَشْهَى الْمَطِيِّ إلَيَّ مَا لَمْ يُرْكَبْ
كَمْ بَيْنَ حَبَّةِ لُؤْلُؤٍ مَثْقُوبَةٍ ... ثَقْبًا وَحَبَّةِ لُؤْلُؤٍ لَمْ تُثْقَبْ
فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ:
إنَّ الْمَطِيَّةَ لَا يُلَذُّ رُكُوبُهَا ... حَتَّى تُذَلَّلَ بِالرُّكُوبِ وَتُرْكَبَا
وَالْحَبُّ لَيْسَ بِنَافِعٍ أَحْبَابَهُ ... مَا لَمْ يُؤَلَّفْ فِي النِّظَامِ وَيُثْقَبَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ رَحِمُهُ الْمَلِكُ الْمُتَعَالُ: مَطْلَبٌ: الِاقْتِصَارُ عَلَى زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ أَقْرَبُ لِلْعَدْلِ:
وَوَاحِدَةٌ أَدْنَى مِنْ الْعَدْلِ فَاقْتَنِعْ ... وَإِنْ شِئْت فَابْلُغْ أَرْبَعًا لَا تَزَيَّدْ
(وَ) زَوْجَةٌ (وَاحِدَةٌ أَدْنَى) أَيْ أَقْرَبُ (مِنْ الْعَدْلِ) الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ بِشَهَادَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: ١٢٩] (فَاقْتَنِعْ) بِوَاحِدَةٍ تَسْلَمْ مِنْ دَيْجُورِ الْجَوْرِ، يُقَالُ قَنِعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا وَقَنَاعَةً بِالْكَسْرِ إذَا رَضِيَ، وَقَنَعَ بِالْفَتْحِ يَقْنَعُ قُنُوعًا إذَا سَأَلَ.
وَمِنْ الْأَوَّلِ: الْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لَا يَفْنَى. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْهَا لَا يَنْقَطِعُ كُلَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا قَنَعَ بِمَا دُونَهُ وَرَضِيَ. وَفِي الْحَدِيثِ «عَزَّ مَنْ قَنِعَ وَذَلَّ مَنْ طَمِعَ» لِأَنَّ الْقَانِعَ لَا يُذِلُّهُ الطَّلَبُ فَلَا يَزَالُ عَزِيزًا (وَإِنْ شِئْت) الزِّيَادَةَ عَنْ الْوَاحِدَةِ (فَابْلُغْ) فِي زِيَادَتِك (أَرْبَعًا) مِنْ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ إنْ كُنْت حُرًّا، فَإِنَّ ذَلِكَ نِهَايَةَ جَمْعِ الْحُرِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute