للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةً شَدِيدَةً كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى (تَقْبِيلُ) مِنْ الْقُبْلَةِ، وَهِيَ عَرَبِيَّةٌ وَالْبُوسُ فَارِسِيٌّ (الثَّرَى) أَصْلُهُ النَّدَى وَالتُّرَابُ النَّدِيُّ أَوْ الَّذِي إذَا بُلَّ لَمْ يَصِرْ طِينًا لَازِبًا.

وَالْمُرَادُ هُنَا تَقْبِيلُ الْأَرْضِ فَيُكْرَهُ (بِتَشَدُّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السُّجُودَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِسُجُودٍ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ الشَّرْعِيَّ وَضْعُ الْجَبْهَةِ بِالْأَرْضِ عَلَى طَهَارَةٍ لِلَّهِ وَحْدَهُ إلَى جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهَذَا إنَّمَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْهُ فَمُهُ، وَذَلِكَ لَا يَجْزِي فِي السُّجُودِ قَالَهُ النَّاظِمُ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَهَذَا يَعْنِي تَقْبِيلَ الْأَرْضِ لَا يُفْعَلُ غَالِبًا إلَّا لِلدُّنْيَا، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الِانْحِنَاءِ، وَمِنْ تَقْبِيلِ الْيَدِ لِلدُّنْيَا.

مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ الِانْحِنَاءِ وَجَوَازِ تَقْبِيلِ الرَّأْسِ وَالْيَدِ

وَيُكْرَهُ مِنْك الِانْحِنَاءُ مُسَلِّمًا ... وَتَقْبِيلُ رَأْسِ الْمَرْءِ حَلَّ وَفِي الْيَدِ

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (مِنْك الِانْحِنَاءُ) أَيْ الِالْتِوَاءُ وَالِانْعِطَافُ (مُسَلِّمًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ يُكْرَهُ مِنْك الِانْحِنَاءُ لِأَجْلِ السَّلَامِ أَوْ فِي السَّلَامِ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ وَصَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لَا قَالَ أَفَيُلْزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَيَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَقَدَّمَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّ التَّحِيَّةَ بِانْحِنَاءِ الظَّهْرِ جَائِزٌ، وَقِيلَ: هُوَ سُجُودُ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ.

قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ عُمَرَ الشَّامَ حَيَّاهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَهُمْ وَقَالَ: هَذَا تَعْظِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَازِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا تَقْبِيلُ رَأْسِ الْإِنْسَانِ وَيَدِهِ وَنَحْوِهِمَا فَحَلَالٌ، وَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقْبِيلُ رَأْسِ الْمَرْءِ) أَيْ الْإِنْسَانِ تَدَيُّنًا (حَلَّ) فِي الشَّرْعِ (وَ) كَذَا تَقْبِيلُهُ (فِي الْيَدِ) بِلَا كَرَاهَةٍ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ.

مَطْلَبٌ: يُبَاحُ تَقْبِيلُ الْيَدِ وَالْمُعَانَقَةُ تَدَيُّنًا

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَتُبَاحُ الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ الْيَدِ وَالرَّأْسِ تَدَيُّنًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ. وَظَاهِرُ هَذَا عَدَمُ إبَاحَتِهِ لِأَمْرِ الدُّنْيَا. وَاخْتَارَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>