قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَقَدْ أَفْتَى بِهَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي عَصْرِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَصْحَابِنَا. وَشَرَطَ الْمَالِكِيُّ فِي جَوَابِهِ أَنْ يَكُونَ اسْتِدَانَةً لِمَصْلَحَةٍ لَا سَفَهًا. انْتَهَى.
مَطْلَبٌ: رُوحُ الْمَدْيُونِ مَحْبُوسَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ
وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّ رُوحَ الْمَدْيُونِ مَحْبُوسَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: سَأَلْت أَبِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَتَلِفَ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ وَأَصَابَهُ بَعْضُ حَوَادِثِ الدُّنْيَا فَصَارَ مُعْدِمًا لَا شَيْءَ لَهُ فَهَلْ يُرْجَى لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عُذْرٌ وَخَلَاصٌ مِنْ دَيْنِهِ إنْ مَاتَ عَلَى عُدْمِهِ وَلَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ؟ فَقَالَ هَذَا عِنْدِي أَسْهَلُ مِنْ الَّذِي اخْتَانَ وَإِنْ مَاتَ عَلَى عُدْمِهِ فَهَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُحْتَمَلُ الْعِقَابُ وَالتَّرْكُ وَاَللَّهُ يُعَوِّضُ الْمَظْلُومَ إنْ شَاءَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ يُعَوِّضُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ وَيَدَعُ بَعْضًا.
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ سَبَبِهِ مُحَرَّمًا أَوْ لَا، وَبَيْنَ التَّائِبِ لِامْتِنَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ أَوْ دِينَارَانِ وَلَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً حَتَّى ضَمِنَهَا أَبُو قَتَادَةَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهَا.
وَالظَّاهِرُ مِنْ الصَّحَابَةِ قَصْدُ الْخَيْرِ وَنِيَّةُ الْأَدَاءِ، وَأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ.
وَعِنْدَنَا يَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ. وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي إجْمَاعًا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، مَعَ أَنَّ الْحَدَّ كَفَّارَةٌ لِإِثْمِ ذَلِكَ الذَّنْبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الْمُجَلَّدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ مَا نَصُّهُ: وَأَنَا أَقُولُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ فَرْعٌ عَلَى الْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَكُلُّ حَقٍّ لَمْ يَثْبُتْ فِي الدُّنْيَا فَلَا ثَبَاتَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَمَنْ خَلَفَ مَالًا وَوَرِثَهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَنَابَ فِي الْقَضَاءِ وَالدَّيْنُ كَانَ مُؤَجَّلًا، فَالنَّائِبُ عَنْهُ يَقْضِي مُؤَجَّلًا وَالذِّمَّةُ عِنْدِي بَاقِيَةٌ وَلَا أَقُولُ الْحَقُّ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَعْيَانِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute