مَطْلَبٌ: فِي تَقْدِيمِ الصَّغِيرِ الْعَالِمِ عَلَى غَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فَإِنْ كَانَ الْأَصْغَرُ أَعْلَمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: كُنْت مَعَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ يَوْمًا نَعُودُ مَرِيضًا فَلَمَّا حَاذَيْنَا الْبَابَ تَأَخَّرَ إِسْحَاقُ وَقَالَ لِيَحْيَى تَقَدَّمْ أَنْتَ يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَنْتَ أَكْبَرُ مِنِّي، قَالَ نَعَمْ أَنَا أَكْبَرُ مِنْك، وَأَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي، فَتَقَدَّمَ إِسْحَاقُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَجَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَهُ التَّقْدِيمُ يَتَقَدَّمُ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْسُنُ مِنْهُ، وَأَنَّ الْأَعْلَمَ يُقَدَّمُ مُطْلَقًا، وَلَا اعْتِبَارَ مَعَهُ إلَى سِنٍّ، وَلَا صَلَاحٍ، وَلَا شَيْءٍ، وَأَنَّ الْأَسَنَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَوْرَعِ وَالْأَدْيَنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْعِلْمِ وَالسِّنِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِدِينٍ أَوْ وَرَعٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثَ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. قُلْت: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَلَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا بِلَفْظِ «لَيْسَ مِنَّا» إلَخْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ نَوْمِ اثْنَيْنِ عُرْيًا تَحْتَ لِحَافٍ وَاحِدٍ:
وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْأُزُرِ وَالْخُفِّ قَائِمًا ... كَذَاك الْتِصَاقُ اثْنَيْنِ عُرْيًا بِمَرْقَدٍ
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (لُبْسُ الْأُزُرِ) جَمْعُ إزَارٍ (وَ) لُبْسُ (الْخُفِّ) أَيْضًا حَالَ كَوْنِ اللَّابِسِ لِوَاحِدٍ مِنْهَا (قَائِمًا) وَكَذَا السَّرَاوِيلُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى اللِّبَاسِ (كَذَاك) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْأُزُرِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَائِمًا يُكْرَهُ أَيْضًا، وَهُوَ آكَدُ فِي الْكَرَاهَةِ مِمَّا قَبْلَهُ (الْتِصَاقُ) مِنْ لَصِقَ بِالصَّادِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ كَانَتْ السِّينُ فِيهَا وَجَاءَ بَعْدَهَا أَحَدُ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْخَاءُ وَالطَّاءُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ إبْدَالُ الصَّادِ مِنْ السِّينِ مِثْلُ صَخَبٍ وَسِرَاطٍ وَسَغْبٍ وَصَقْرٍ.
وَمِنْهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ يُقَالُ لَسِقَ وَلَصِقَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَيُكْرَهُ الْتِصَاقُ (اثْنَيْنِ) يَعْنِي يُكْرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute