للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّزَايَا، فَطَلَبَ النَّاظِمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَإِخْوَانُهُ (فِي خَيْرِ مَقْعَدِ) أَيْ مَكَانِ الْقُعُودِ سَالِمِينَ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَشِدَّةِ الْحِسَابِ، مُنْتَظِرِينَ الْإِذْنَ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ، فَقَدْ رَوَى حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ وَهُوَ مِنْ أَجِلَّاءِ أَصْحَابِ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَجْمَعُ اللَّهُ تَعَالَى الْعُلَمَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ إنِّي لَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ إلَّا لِعِلْمِي بِكُمْ وَلَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ لِأُعَذِّبَكُمْ، اذْهَبُوا فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» .

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا فَلَهُ شَوَاهِدُ حِسَانٌ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد قَالَ: إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعُلَمَاءَ عَنْ الْحِسَابِ فَيَقُولُ اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ عَلَى مَا فِيكُمْ إنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي فِيكُمْ إلَّا لِخَيْرٍ أَرَدْتُهُ بِكُمْ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَزَادَ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ يَحْبِسُ الْعُلَمَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي زُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ وَيَدْخُلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَدْعُو الْعُلَمَاءَ فَيَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ إنِّي لَمْ أَضَعْ حِكْمَتِي فِيكُمْ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعَذِّبَكُمْ، قَدْ عَلِمْت أَنَّكُمْ تَخْلِطُونَ مِنْ الْمَعَاصِي مَا يَخْلِطُ غَيْرُكُمْ فَسَتَرْتهَا عَلَيْكُمْ وَغَفَرْتهَا لَكُمْ، وَإِنَّمَا كُنْت أُعْبَدُ بِفُتْيَاكُمْ وَتَعْلِيمِكُمْ عِبَادِي اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ قَالَ لَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ وَلَا مَانِعَ لَمَا أَعْطَى اللَّهُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْمَعْنَى بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ مَرْفُوعٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تُوضَعُ حَسَنَاتُ الرَّجُلِ فِي كِفَّةٍ وَسَيِّئَاتُهُ فِي كِفَّةٍ فَتَسِيلُ سَيِّئَاتُهُ، فَإِذَا أَيِسَ وَظَنَّ أَنَّهَا النَّارُ جَاءَ شَيْءٌ مِثْلُ السَّحَابِ حَتَّى يَقَعَ مَعَ حَسَنَاتِهِ فَتَسِيلَ حَسَنَاتُهُ، قَالَ فَيُقَالُ لَهُ أَتَعْرِفُ هَذَا مِنْ عَمَلِك؟ فَيَقُولُ لَا، فَيُقَالُ هَذَا مَا عَلَّمْت النَّاسَ مِنْ الْخَيْرِ فَعُمِلَ بِهِ مَنْ بَعْدَك.

[مَطْلَبٌ: مَرَاتِبُ الْعِلْمِ]

أَلَا مَنْ لَهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ رَغْبَةٌ ... لِيَصْغَ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ مُتَرَصِّدٍ

(أَلَا) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّمَنِّي كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَلَا عُمُرٌ وَلَّى مُسْتَطَاعٌ رُجُوعُهُ ... فَيَرْأَبَ مَا أَثْأَتْ يَدُ الْغَفَلَاتِ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ. قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ يُوسُفُ بْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ الْحَنْبَلِيُّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ: وَمَعْنَى الْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ طَلَبُ الشَّيْءِ، وَلَكِنَّ الْعَرْضَ طَلَبٌ بِلِينٍ، وَالتَّحْضِيضَ طَلَبٌ بِحَثٍّ.

وَتَخْتَصُّ أَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>