الرَّأْسَ مِنْ الْأَذَى، وَالسِّتْرُ لَازِمٌ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ لَا تُسَمَّى مِغْفَرًا وَلَا الْقُبَّعَةُ وَنَحْوُهُ مَعَ سَتْرِهِ انْتَهَى.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» .
مَطْلَبٌ: فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي» الْحَدِيثَ.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٍ «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» قَالَ: وَسَمِعْته يَقُولُ: «تُوبُوا إلَى رَبِّكُمْ فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَتُوبُ إلَى رَبِّي - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِائَةَ مَرَّةٍ فِي الْيَوْمِ» . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْغَيْمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا الَّذِي يَغْشَى الْقَلْبَ. وَقِيلَ الْغَيْنُ لُغَةً الْغَيْمُ. وَفِي مَعْنَى الْغَيْنِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ يَكُونُ هَذَا الْغَيْنُ السَّكِينَةَ الَّتِي تَغْشَى قَلْبَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الفتح: ٢٦] وَالسَّكِينَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ الْوَقَارُ الَّذِي هُوَ فَقْدُ الْحَرَكَةِ وَيَكُونُ الِاسْتِغْفَارُ إظْهَارًا لِلْعُبُودِيَّةِ وَالِافْتِقَارِ وَمُلَازَمَةِ الْخُضُوعِ وَشُكْرًا لِمَا أَوْلَاهُ مَوْلَاهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الْغَيْنَ حَالُ خَشْيَةٍ وَإِعْظَامٍ يَغْشَى الْقَلْبَ وَيَكُونُ اسْتِغْفَارُهُ شُكْرًا. وَقِيلَ: كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي تَرَقٍّ مِنْ مَقَامٍ إلَى مَقَامٍ.
فَإِذَا ارْتَقَى مِنْ الْمَقَامِ الَّذِي كَانَ فِيهِ إلَى مَقَامٍ أَعْلَى اسْتَغْفَرَ مِنْ الْمَقَامِ الَّذِي كَانَ فِيهِ. وَقِيلَ: الْغَيْنُ شَيْءٌ يَغْشَى الْقَلْبَ وَلَا يُغَطِّيهِ كَالْغَيْمِ الَّذِي يَعْرِضُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يَمْنَعُ ضَوْءَ الشَّمْسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute