رِضَا هَذَا الشَّرَهِ، لِأَنَّ طَالِبَ الدُّنْيَا كَشَارِبِ مَاءِ الْبَحْرِ، فَكُلَّمَا ازْدَادَ شُرْبًا ازْدَادَ عَطَشًا وَظَمَأً فَلَا يُتَصَوَّرُ رِضَاهُ بِطَرِيقٍ مَا.
وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرَابُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ أَيْضًا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَفْظِ «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى إلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» وَظَاهِرُ صَنِيعِ السُّيُوطِيِّ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ نَخْلٍ لَتَمَنَّى مِثْلَهُ ثُمَّ تَمَنَّى مِثْلَهُ حَتَّى يَتَمَنَّى أَوْدِيَةً، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرَابُ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَاقْتَنِعْ) افْتَعِلْ مِثْلُ اكْتَسِبْ وَاحْتَصِدْ وَاغْتَرِبْ، أَيْ اُطْلُبْ الْقَنَاعَةَ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهَا.
(وَتَقَصَّدْ) مَعْطُوفٌ عَلَى اقْتَنِعْ، وَالْقَصْدُ مِثْلُ التَّزَهُّدِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَصْدِ وَهُوَ اسْتِقَامَةُ الطَّرِيقِ وَالِاعْتِمَادُ وَضِدُّ الْإِفْرَاطِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَالِاقْتِصَادِ، وَرَجُلٌ لَيْسَ بِالْجَسِيمِ وَلَا بِالضَّئِيلِ كَالْمُقْصِدِ. وَفِي صِفَتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَبْيَضَ مُقْصِدًا، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِطَوِيلٍ وَلَا قَصِيرٍ وَلَا جَسِيمٍ كَأَنَّ خَلْقَهُ نَحَى بِهِ الْقَصْدَ مِنْ الْأُمُورِ. وَالْمُعْتَدِلُ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَى حَدِّ طَرَفِي التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ.
مَطْلَبٌ: فِي الِاقْتِصَادِ فِي الْأُمُورِ
وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «مَا عَالَ مُقْتَصِدٌ وَلَا يُعِيلُ» أَيْ مَا افْتَقَرَ مَنْ لَا يُسْرِفُ فِي الْإِنْفَاقِ وَلَا يُقَتِّرُ قُلْت: وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ «مَا عَالَ مَنْ اقْتَصَدَ» .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي عَسِيبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا فَمَرَّ بِي فَدَعَانِي فَخَرَجْت إلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِعُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لِصَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute