قَالَ وَلَدُهُ فَأَدْرَجْنَاهُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ وَاشْتَرَيْنَا لَهُ حَنُوطًا، وَحَضَرَهُ نَحْوٌ مِنْ مِائَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ تَكْفِينِهِ، فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَ جَبْهَتَهُ حِينَ وُضِعَ عَلَى السَّرِيرِ. وَأَمَّا الْجَمْعُ الَّذِي صَلَّوْا عَلَيْهِ فَلَمْ يُسْمَعْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ بِمِثْلِهِ. قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ. وَقَدْ حَزَرَ الْمَوْضِعُ مَسْحَهُ عَلَى التَّصْحِيحِ فَإِذَا هُوَ نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ، وَحَزَرْنَا عَلَى السُّورِ نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ أَلْفًا مِنْ النِّسَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ فَإِذَا هُوَ أَلْفُ أَلْفٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفٍ سِوَى مَا كَانَ فِي السُّفُنِ. وَفِي أُخْرَى أَلْفَيْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ عَنْ وَالِدِهِ: قُولُوا لِأَهْلِ الْبِدَعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَوْمُ الْجَنَائِزِ. وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمْ تُرَ جِنَازَةٌ مِثْلُهَا إلَّا جِنَازَةٌ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَقَعَ الْمَأْتَمُ بِسَبَبِ مَوْتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْ النَّاسِ، الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، وَأَسْلَمَ يَوْمَ مَوْتِهِ عِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس. قُلْت: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَمِيعَ الْجِنِّ حَضَرَتْ جِنَازَتَهُ إلَّا الْمَرَدَةَ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَنَعَتَهُ الْجِنُّ الْمُؤْمِنُونَ. وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا أَشَارَ الصَّرْصَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اللَّامِيَّةِ بِقَوْلِهِ:
وَعِشْرُونَ أَلْفًا أَسْلَمُوا حِينَ عَايَنُوا ... جِنَازَتَهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مُضَلِّلِ
وَصَلَّى عَلَيْهِ أَلْفُ أَلْفِ مُوَحِّدٍ ... وَسِتُّمِئَيْ أَلْفٍ فَأَعْظَمِ وَأَكْمِلْ
فَقَدْ بَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلنَّاسِ فَضْلُهُ ... كَمَا كَانَ حَيًّا فَضْلُهُ ظَاهِرٌ جَلِيّ
أَقَرَّ لَهُ بِالْفَضْلِ أَعْيَانُ وَقْتِهِ ... وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ بِالثَّنَاءِ الْمُبَجَّلِ
إلَى مَا يَطُولُ نَقْلُهُ، وَيَكْثُرُ عَلُّهُ وَنَهْلُهُ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَآثِرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَمْ نَذْكُرْهُ كَقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرٍ لُجِّيٍّ. وَإِنَّمَا حَلَّيْنَا كِتَابَنَا هَذَا بِطَرَفٍ مِنْ ذِكْرِهِ وَمَنَاقِبِهِ وَمَآثِرِهِ لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَكَةُ ذِكْرِهِ. فَرِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَمَاتَنَا اللَّهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَحُبِّهِ، بِبَرَكَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ وَحِزْبِهِ إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
[مَطْلَب: فِي اسْتِئْذَانِ مُرِيدِ الدُّخُولِ عَلَى غَيْرِهِ]
ثُمَّ ذَكَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الِاسْتِئْذَانَ وَأَحْكَامَهُ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute