فَعُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْفِطْرِ بِالْفِكْرِ، وَلَوْ اسْتَدْعَاهُ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ حُرْمَةَ اسْتِحْضَارِ نَحْوِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَالنَّظَرِ إلَى مَلَابِسِ الْحَرِيرِ. وَكَلَامُ الْمُوَفَّقِ فِي الْمُغْنِي يَقْتَضِي عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ.
(الثَّامِنُ) : الَّذِي اعْتَمَدَهُ مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ كَالْمُنْتَهَى أَنَّ مَنْ صَلَّى، وَلَوْ نَفْلًا فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ أَوْ أَكْثَرَهُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَكَذَا مَغْصُوبٌ أَوْ بَعْضُهُ، أَوْ مَا ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ مِنْ الْحَرَامِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالِمًا ذَاكِرًا، وَإِلَّا صَحَّتْ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ دُمْلُجًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ تِكَّةَ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا مِنْ حَرِيرٍ وَإِنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ حَرِيرًا أَوْ غَصْبًا أَوْ حُبِسَ بِمَكَانِ غَصْبٍ أَوْ كَانَ فِي جَيْبِهِ دِرْهَمٌ مَغْصُوبٌ صَحَّتْ.
وَعَنْ الْإِمَامِ تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وِفَاقًا لِلثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ بِهِ جُمُوعٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَعُودُ إلَى خَارِجٍ، وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ.
وَصَلَاةُ الْمُمَيِّزِ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ كَالْبَالِغِ.
فَإِنْ قُلْت: لَا عَمْدَ لِلصَّبِيِّ بَلْ عَمْدُهُ خَطَأٌ كَمَا فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الصَّغِيرِ كَذَلِكَ بِجَامِعِ عَدَمِ الْإِثْمِ.
وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ النَّجْدِيُّ، وَهُوَ أَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ أَحَدٌ؛ فَلِذَلِكَ اُغْتُفِرَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ فِيهَا مَعْصِيَةٌ مُؤَاخَذٌ بِهَا، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي، فَكَأَنَّهُ لِشُؤْمِ أَثَرِ الْمَعْصِيَةِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ.
هَذَا مَا ظَهَرَ فَلْيُحَرَّرْ انْتَهَى.
قُلْت: وَفِي هَذَا نَظَرٌ يَظْهَرُ بِمَا إذَا لَبِسَ زَيْدٌ سُتْرَةً مِنْ عِنْدِ عَمْرٍو بِإِذْنِهِ، وَعَمْرٌو كَانَ قَدْ غَصَبَ السُّتْرَةَ، وَلَا عِلْمَ لِزَيْدٍ، فَإِنَّ صَلَاةَ زَيْدٍ صَحِيحَةٌ، وَعَمْرٌو عَاصٍ، وَلَمْ يَعُدْ شُؤْمُ أَثَرِ مَعْصِيَةِ عَمْرٍو عَلَى صَلَاةِ زَيْدٍ بِالْبُطْلَانِ لِعَدَمِ شُعُورِهِ بِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute