مَطْلَبٌ: فِي آدَابِ مُؤَاكَلَةِ الْإِخْوَانِ
(تَتِمَّةٌ) فِي ذِكْرِ بَقِيَّةِ أَشْيَاءَ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالضِّيَافَةِ وَلَوَاحِقِ ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي آدَابِ مُؤَاكَلَةِ الْإِخْوَانِ: يُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ يُبَاسِطَ الْإِخْوَانَ بِالْحَدِيثِ الطَّيِّبِ، وَالْحِكَايَاتِ اللَّائِقَةِ بِالْحَالِ، وَيَأْكُلَ بِالْأَدَبِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَبِالْإِيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ وَبِالِانْبِسَاطِ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَبِالتَّعَلُّمِ مَعَ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَأْكُلُ بِالسُّرُورِ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَبِالْإِيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمَرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا. وَيُسَنُّ أَنْ يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْ جَلِيسِهِ وَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُحْتَاجَ، وَإِذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ إنْسَانٌ قَائِمٌ أَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ، فَإِنْ أَبَى عَلَيْهِ، أَوْ قَامَ مَمْلُوكُهُ وَخَادِمُهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَسَقْيِهِ الْمَاءَ أَخَذَ مِنْ أَطَايِبِ الطَّعَامِ فَلَقَمَهُ.
وَإِنْ أَكَلَ مَعَ ضَرِيرٍ أَعْلَمَهُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرُبَّمَا فَاتَهُ أَطْيَبُ الطَّعَامِ لِعَمَاهُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَمِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا يُلْقِمَ أَحَدًا يَأْكُلُ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الطَّعَامِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عَمَلًا بِالْعَادَةِ، وَالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْأَدَبَ، وَالْأَوْلَى الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ بِبَعْضِ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ.
وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ بَعْضِ الضِّيفَانِ مَا لَدَيْهِ وَنَقْلُهُ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِفَاعِلِ ذَلِكَ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّ جَلِيسِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَالْقَرِينَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَمْلِكُ الصَّدَقَةَ بِمَا أُذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ. وَقَالَ: إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَأَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ الْأَكْلَ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ خُولِفَ فِي أَكْلِهِ مِنْهُ لِإِذْنِهِ فِيهِ فَيَبْقَى مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْأَدْنَى الْإِذْنُ فِي الْأَعْلَى.
وَحَقُّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. لَكِنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ. .
مَطْلَبٌ: يُكْرَهُ أَنْ يُلْقِمَ الضَّيْفُ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ: يُكْرَهُ أَنْ يُلْقِمَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute