قَالَ: وَأَمَّا الْكِبْرُ فَأَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْعُجْبِ وَالْبَغْيِ مِنْ قَلْبٍ قَدْ امْتَلَأَ بِالْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، تَرَحَّلَتْ مِنْهُ الْعُبُودِيَّةُ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْمَقْتُ، فَنَظَرُهُ إلَى النَّاسِ شَزْرٌ، وَمَشْيُهُ بَيْنَهُمْ تَبَخْتُرٌ، وَمُعَامَلَتُهُ لَهُمْ مُعَامَلَةُ الِاسْتِيثَارِ لَا الْإِيثَارِ، وَلَا الْإِنْصَافِ، ذَاهِبٌ بِنَفْسِهِ تِيهًا، لَا يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ رَأَى أَنَّهُ قَدْ بَالَغَ فِي الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ، لَا يَنْطَلِقُ لَهُمْ وَجْهُهُ، وَلَا يَسَعُهُمْ خُلُقُهُ، وَلَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا، وَيَرَى حُقُوقَهُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَرَى فَضْلَهُمْ عَلَيْهِ، وَيَرَى فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَزْدَادُ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا، وَلَا مِنْ النَّاسِ إلَّا صَغَارًا وَبُغْضًا. .
مَطْلَبٌ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَانَةِ وَالتَّكَبُّرِ
وَقَالَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَانَةِ وَالتَّكَبُّرِ: إنَّ الصَّائِنَ لِنَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَدْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا نَقِيَّ الْبَيَاضِ ذَا ثَمَنٍ، فَهُوَ يَدْخُلُ بِهِ عَلَى الْمُلُوكِ فَمَنْ دُونَهُمْ، فَهُوَ يَصُونُهُ عَنْ الْوَسَخِ وَالْغُبَارِ، وَالطُّبُوعِ وَأَنْوَاعِ الْآثَارِ إبْقَاءً عَلَى بَيَاضِهِ وَنَقَائِهِ، إلَى آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ: بِخِلَافِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَإِنَّهُ، وَإِنْ شَابَهُ هَذَا فِي تَعَزُّزِهِ وَتَجَنُّبِهِ فَهُوَ يَقْصِدُ أَنْ يَعْلُوَ رِقَابَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَهَذَا لَوْنٌ وَذَاكَ لَوْنٌ، فَجَعَلَ الْكِبْرَ أَثَرًا مِنْ آثَارِ الْعُجْبِ وَثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِهِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْعُجْبَ، فَإِنَّ مَنْ أُعْجِبَ بِشَيْءٍ تَكَبَّرَ بِهِ.
قَالَ فِي تَعْرِيفِ التِّيهِ: هُوَ خُلُقٌ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ، وَإِزْرَاؤُهُ بِغَيْرِهِ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ التِّيهُ.
(الثَّانِي) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ ذَكَرْت طَرَفًا مِنْهَا «الْعِزُّ إزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي» عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ؟ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجُمُوعٌ: إنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ صِفَتَانِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اُخْتُصَّ بِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَتَعَاطَاهُمَا، لِأَنَّ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ التَّوَاضُعُ وَالذُّلُّ، وَضَرَبَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ مَ وَجَلَّ اُخْتُصَّ بِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَتَعَاطَاهُمَا، لِأَنَّ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ التَّوَاضُعُ وَالذُّلُّ، وَضَرَبَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ مَثَلًا يَقُولُ كَمَا لَا يَشْرَكُ الْإِنْسَانَ فِي رِدَائِهِ وَإِزَارِهِ أَحَدٌ فَكَذَلِكَ لَا يَشْرَكُنِي فِي الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ مَخْلُوقٌ. .
مَطْلَبٌ: التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ قِسْمَانِ، وَفِيهِ كَلَامٌ نَفِيسٌ
(الثَّالِثُ) :: التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّكَبُّرُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute