للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَهُ.

وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ: أَمَّا فِي الْأَهْلِي فَلِأَنَّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا فِي الْبَرِّيِّ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِإِبَاحَتِهِ دُونَ الْقَوْلِ بِإِبَاحَةِ تِلْكَ كَمَا هُوَ مَشْرُوحٌ إنْ كُنْت ذَا تَفَطُّنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ: بَيَانُ فَضْلِ التَّوَاضُعِ فِي اللِّبَاسِ

وَمَنْ يَرْتَضِي أَدْنَى اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا سَيُكْسَى الثِّيَابَ الْعَبْقَرِيَّاتِ فِي غَد (وَمَنْ) أَيْ: شَخْصٌ يَعْنِي كُلَّ إنْسَانٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (يَرْتَضِي) هُوَ لِنَفْسِهِ (أَدْنَى) أَيْ أَنْزَلَ وَأَرْدَأَ (اللِّبَاسِ) أَيْ الْمَلْبُوسِ مِنْ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَقَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ رِضَاهُ بِذَلِكَ الْأَدْنَى (تَوَاضُعًا) أَيْ لِأَجْلِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَانْخِفَاضًا وَاحْتِقَارًا لِلنَّفْسِ وَلِلدُّنْيَا وَزِينَتِهَا.

وَاقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ بِتَرْكِهِ لَهَا حِينَئِذٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى لُبْسِهَا.

وَإِنَّمَا تَرَكَهَا تَوَاضُعًا لَهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (سَيُكْسَى) بِتَرْكِهِ لِحُبِّ الزِّينَةِ وَالِافْتِخَارِ وَرِضَاهُ بِالدُّونِ وَالِاحْتِقَارِ (الثِّيَابَ الْعَبْقَرِيَّاتِ) نِسْبَةً إلَى قَرْيَةٍ ثِيَابُهَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.

وَالْعَبْقَرِيُّ الْكَامِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وَفِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ فِي رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ فِي حَقِّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا أَحْسَنَ نَزْعًا مِنْهُ.

قَالَ: الْعَبْقَرِيُّ بِمُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَقَافٍ فَرَاءٍ: طَنَافِسُ ثِخَانٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْبُسُطِ عَبْقَرِيٌّ، وَيُقَالُ: إنَّ عَبْقَرَ أَرْضٌ يُعْمَلُ فِيهَا الْوَشْيُ فَنُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ جَيِّدٍ. وَيُقَالُ: الْعَبْقَرِيُّ الْمَمْدُوحُ الْمَوْصُوفُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْفُرُشِ. انْتَهَى.

فَلَمَّا تَرَكَ الْإِنْسَانُ رَفِيعَ الثِّيَابِ وَرَضِيَ بِأَدْنَاهَا تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الدُّنْيَا جَازَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنْ كَسَاهُ الثِّيَابَ النَّفِيسَةَ الْبَدِيعَةَ الْمَنْسُوجَةَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْعَجِيبَةِ الْغَرِيبَةِ مِنْ الْوَشْيِ وَغَيْرِهِ (فِي غَدٍ) فِي دَارِ الْبَقَاءِ الَّتِي لَا يَفْنَى شَبَابُهَا، وَلَا تَبْلَى ثِيَابُهَا، وَلَا تَهْرَمُ حُورُهَا، وَلَا تُهْدَمُ قُصُورُهَا فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَمَزِيدِ الْعِزِّ وَالتَّكْرِيمِ جَزَاءً وِفَاقًا.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>