مَطْلَبٌ: فِي حُكْمِ أَلْبِسَةِ الصُّوفِ وَمَا شَاكَلَهَا
وَلَيْسَ بِلُبْسِ الصُّوفِ بَأْسٌ وَلَا الْقَبَا ... وَلَا لِلنِّسَا وَالْبُرْنُسِ افْهَمْهُ وَاقْتَدِ
(وَلَيْسَ بِلُبْسِ) الْإِنْسَانِ لِ (لصُّوفِ) بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ - قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ مَا كَانَ أَحْمَرَ مُصْمَتًا وَمُزَعْفَرًا وَمُعَصْفَرًا فَيُكْرَهُ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِهِ صُوفًا - (بَأْسٌ) اسْمُ لَيْسَ " وَخَبَرُهُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ، وَالْمَجْرُورِ، أَيْ لَيْسَ بَأْسٌ كَائِنًا بِلُبْسِ الصُّوفِ يَعْنِي لَا حَرَجَ وَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، فَيُبَاحُ لُبْسُ ثِيَابِ الصُّوفِ، وَكَذَا الْوَبَرُ وَالشَّعْرُ حَيْثُ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ خَشِنًا وَلَبِسَ خَشِنًا، لَبِسَ الصُّوفَ وَاحْتَذَى بِالْمَخْصُوفِ» . قِيلَ لِلْحَسَنِ: مَا الْخَشِنُ؟ قَالَ: غَلِيظُ الشَّعِيرِ، مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسِيغُهُ إلَّا بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ.
وَفِي سَنَدِهِ يُوسُفُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ نُوحِ بْنِ ذَكْوَانَ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: يُوسُفُ لَا يُعْرَفُ، وَنُوحُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ يَعْنِي بُطْلَانَ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ لَهُ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَانَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءُ صُوفٍ وَجُبَّةُ صُوفٍ وَكُمَّةُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ، وَكَانَ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: تَوَهَّمَ الْحَاكِمُ أَنَّ حُمَيْدًا الْأَعْرَجَ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ (حُمَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ) وَقَيْسُ بْنُ عَمَّارٍ أَحَدُ الْمَتْرُوكِينَ. وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ: الْكُمَّةُ هِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْقَلَنْسُوَةُ الصَّغِيرَةُ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مَوْقُوفًا عَنْ الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَلْبَسُوا الصُّوفَ، وَيَحْتَلِبُوا الْغَنَمَ، وَيَرْكَبُوا الْحُمُرَ» .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَشَارَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ إلَى ضَعْفِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «بَرَاءَةٌ مِنْ الْكِبْرِ لَبُوسُ الصُّوفِ وَمُجَالَسَةُ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَرُكُوبُ الْحِمَارِ، وَاعْتِقَالُ الْعَنْزِ، وَالْبَعِيرِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute