للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ الْإِبَاحَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَقِيلَ يُبَاحُ بِلَا كَرَاهَةٍ.

قَالَ النَّاظِمُ:

مَطْلَبٌ: فِي الْغِنَاءِ الْيَسِيرِ لِمَنْ يَسْتَتِرُ فِي بَيْتِهِ:

فَمَنْ يَسْتَتِرْ فِي بَيْتِهِ لِسَمَاعِهِ الْغِنَاءَ ... وَلَمْ يُكْثِرْ وَلَمْ يُتَزَيَّدْ

وَغَنَّى يَسِيرًا فِي خَفَاءٍ لِنَفْسِهِ ... فَلَا بَأْسَ وَاقْبَلْ إنْ يُرَجِّعْ وَيُنْشِدْ

(فَ) عَلَى الْمَذْهَبِ (مَنْ يَسْتَتِرْ) . مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (فِي بَيْتِهِ) أَوْ غَيْرِ بَيْتِهِ لِأَجْلِ (سَمَاعِهِ) أَيْ الْمُسْتَتِرِ (الْغِنَاءَ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَمْدُودًا (وَلَمْ يُكْثِرْ) مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَزَيَّدْ مِنْهُ (وَ) لَمْ يَقْتَرِنْ بِآلَةِ لَهْوٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُغَنِّي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً لِحُرْمَةِ التَّلَذُّذِ بِصَوْتِهَا بَلْ (غَنَّى) غِنَاءً (يَسِيرًا) غَيْرَ كَثِيرٍ، فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَدَنَاءَةٌ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ كَمَا فِي الْإِنْصَافِ.

وَأَمَّا إنْ غَنَّى يَسِيرًا (فِي) حَالِ (خَفَاءٍ لِنَفْسِهِ) قُلْت أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ صِنَاعَةً وَلَمْ يُدَاوِمْهُ عَلَى مَا مَرَّ (فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا حَرَجَ وَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ بِنَغْمَةٍ طَيِّبَةٍ فَلَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى قَالَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ: أَسْمِعْنِي بَعْضَ مَا عَفَا اللَّهُ لَك عَنْهُ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، فَأَسْمَعَهُ كَلِمَةً لَهُ يَعْنِي قَصِيدَةً فَقَالَ لَهُ وَإِنَّك لَقَائِلُهَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَطَالَ مَا غَنَّيْت بِهَا خَلْفَ جِمَالِ الْخَطَّابِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: أَتَيْت بَابَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَمِعْته يُغَنِّي بالركبانية:

فَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَيْنَمَا ... قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ

وَكَانَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ مِنْ أَخِصَّاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ فَلَمَّا اسْتَأْذَنْت عَلَيْهِ قَالَ أَسَمِعْت مَا قُلْت؟ قُلْت نَعَمْ، قَالَ إذَا خَلَوْنَا قُلْنَا مَا يَقُولُهُ النَّاسُ فِي بُيُوتِهِمْ.

وَهَلْ اسْتِحْسَانُ الشِّعْرِ إلَّا لِكَوْنِهِ مَوْزُونًا مُتَنَاسِبًا مَمْدُودَ الصَّوْتِ وَالدَّنْدَنَةِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَنْظُومِ وَالْمَنْثُورِ. وَقَدْ سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْغِنَاءَ وَكَانَ يُعْجِبُهُ. فَهَذَا خُلَاصَةُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم

<<  <  ج: ص:  >  >>