وَإِنْ تَفَاوَتَ الْإِثْمُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي كُلِّ خَصْلَةٍ وَمَعْصِيَةٍ بِقَدْرِهَا وَلَكِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَاصِي الْفَرْعِيَّةِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ دُونَ مَنْزِلَةِ الْبِدْعَةِ، وَمَنْزِلَةُ الْبِدْعَةِ دُونَ مَنْزِلَةِ الْكُفْرِ، فَإِنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ مُكَفِّرَةً اتَّحَدَتْ مَنْزِلَتُهَا مَعَ الْكُفْرِ.
فَظَهَرَ أَنَّ الْمَنَازِلَ ثَلَاثَةٌ: مَنْزِلَةُ الْكُفْرِ، وَمَنْزِلَةُ الْبِدَعِ، وَمَنْزِلَةُ الْمَعَاصِي. ثُمَّ إنَّ الْمَعَاصِيَ تُقَسَّمُ إلَى صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ. وَلِلْكَبَائِرِ مِنْهَا الْمُوبِقَاتُ السَّبْعُ، وَهِيَ قَتْلُ النَّفْسِ وَالزِّنَا وَأَكْلُ الرِّبَا وَالسِّحْرُ وَالْقَذْفُ وَأَكْلُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَتَصِحُّ تَوْبَةُ مَنْ عَجَزَ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ كَتَوْبَةِ الْأَقْطَعِ عَنْ السَّرِقَةِ. وَالزَّمِنِ عَنْ السَّعْيِ إلَى حَرَامٍ، وَالْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَا. وَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ عَنْ الْقَذْفِ، وَالْمُرَادُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا تَابَ مِنْهُ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ عَنْ عَزْمِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهَا. انْتَهَى.
الرَّابِعُ: كَوْنُ التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ تَعْظِيمًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِتَائِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَاءٍ أَوْ خَائِفٌ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا تَوْبَةً نَصُوحًا تُمْحَى بِهَا الْأَوْزَارُ، وَنَرْتَقِي مِنْهَا إلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ، مَعَ السَّادَةِ الْأَخْيَارِ. إنَّهُ التَّوَّابُ الْغَفَّارُ.
لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ. وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ
[خَاتِمَة الْكتاب]
ثُمَّ إنَّ النَّاظِمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي النُّصْحِ إيفَاءً بِمَا وَعَدَ فِي أَوَّلِ مَنْظُومَتِهِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ سَأَبْذُلُهَا جُهْدِي الْبَيْتَ، فَقَالَ:
وَهَا قَدْ بَذَلْت النُّصْحَ جَهْدِي وَإِنَّنِي ... مُقِرٌّ بِتَقْصِيرِي وَبِاَللَّهِ أَهْتَدِي
(وَهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ، وَتَدْخُلُ فِي ذَا وَذِي، تَقُولُ هَذَا وَهَذِي، وَهَا تَكُونُ اسْمًا لِفِعْلٍ وَهُوَ " خُذْ " وَيُمَدُّ، وَيُسْتَعْمَلَانِ بِكَافِ الْخِطَابِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَمْدُودَةِ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ الْكَافِ بِتَصْرِيفِ هَمْزَتِهَا تَصَارِيفَ الْكَافِ، هَاءَ لِلْمُذَكَّرِ، وَهَاءِ لِلْمُؤَنَّثِ، وَهَاؤُمَا وَهَاؤُمْ وَهَاؤُنْ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: ١٩] وَفِي كَلَامِ النَّاظِمِ كَذَلِكَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ، وَتَقْدِيرُهَا وَهَاكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ لِنِظَامِي، الْمُتَهَيِّئُ لِحِفْظِ كَلَامِي (قَدْ بَذَلْت) لَك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute