(النُّصْحَ) مِنْ نَفْسِي بِحَسْبِ (جَهْدِي) .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْجَهْدُ الطَّاقَةُ وَيُضَمُّ (وَ) مَعَ بَذْلِ جَهْدِي وَطَاقَتِي فِي النُّصْحِ (إنَّنِي مُقِرٌّ) وَمُعْتَرِفٌ (بِتَقْصِيرِي) فَإِنِّي لَمْ أَسْتَقْصِ جَمِيعَ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ وَالزَّمَانُ لِلْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ، سِيَّمَا وَبَابُ النَّظْمِ أَضْيَقُ مِنْ النَّثْرِ، مَعَ مَلَلِ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ، وَعَدَمِ مَيْلِهِمْ لِلْإِطَالَةِ، وَالْفَهْمِ الْكَسِلِ وَالْمَلَالَةِ (وَبِاَللَّهِ) سُبْحَانَهُ لَا بِغَيْرِهِ (أَهْتَدِي) لِاقْتِنَاصِ الْمَعَانِي الشَّارِدَةِ، وَالنَّوَادِرِ النَّادِرَةِ فَإِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، لَا يَخِيبُ مَنْ تَرَجَّاهُ، وَلَا يَضِلُّ مَنْ اسْتَهْدَاهُ.
ثُمَّ أَخَذَ يُثْنِي عَلَى مَنْظُومَتِهِ بِبَعْضِ مَا هِيَ أَهْلُهُ وَجَمِيلِ بَعْضِ أَوْصَافِهَا فَقَالَ:
تَقَضَّتْ بِحَمْدِ اللَّهِ لَيْسَتْ ذَمِيمَةً ... وَلَكِنَّهَا كَالدُّرِّ فِي عِقْدِ خُرَّدِ
(تَقَضَّتْ) هَذِهِ الْمَنْظُومَةُ الْفَائِقَةُ بِالْمَعَانِي الرَّائِقَةِ (بِحَمْدِ اللَّهِ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (لَيْسَتْ) هِيَ (ذَمِيمَةً) الذَّمُّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ضِدُّ الْمَدْحِ، يُقَالُ ذَمَّهُ ذَمًّا وَمَذَمَّةً فَهُوَ مَذْمُومٌ وَذَمِيمٌ، وَبِئْرٌ ذَمِيمَةٌ قَلِيلَةُ الْمَاءِ وَغَزِيرَةٌ مِنْ بَابِ الْأَضْدَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَيْسَتْ حَقِيرَةً (لَكِنَّهَا) مَمْدُوحَةُ الْمَعَانِي، فَائِقَةُ الْمَبَانِي كُلُّ مَنْ تَحَلَّى بِحِفْظِهَا وَإِدْرَاكِ مَعَانِيهَا زَانَتْهُ وَأَكْسَبَتْهُ بَهْجَةً وَرَوْنَقًا (كَالدُّرِّ) النَّفِيسِ (فِي عِقْدِ) نِسَاءٍ غِيدٍ حِسَانٍ (خُرَّدٍ) جَمْعُ خَرِيدَةٍ وَهِيَ الْبِكْرُ الَّتِي لَمْ تُمْسَسْ، أَوْ الْخَفْرَةُ الطَّوِيلَةُ السُّكُوتِ، الْخَافِضَةُ الصَّوْتِ، فَكَمَا تَزْدَادُ الْخُرَّدُ بِالدُّرِّ جَمَالًا عَلَى جَمَالِهَا.
وَكَمَالًا عَلَى كَمَالِهَا، فَمَنْ تَحَلَّى بِهَذِهِ الْمَنْظُومَةِ يَزْدَادُ بِهَا كَمَالًا. أَوْ أَنَّ نَظْمَهَا فِي الْحُسْنِ وَالِاتِّسَاقِ وَالْجَوْدَةِ وَالِاتِّفَاقِ كَنَظْمِ الدُّرِّ الَّذِي أَحْكَمَتْ الْخُرَّدُ نَظْمَهُ وَتَأْلِيفَهُ وَأَجَادَتْ تَنْفِيذَهُ وَتَرْصِيفَهُ. وَالْعِقْدُ بِالْكَسْرِ: الْقِلَادَةُ وَالْجَمْعُ: عُقُودٌ.
يُحَيَّرُ لَهَا قَلْبُ اللَّبِيبِ وَعَارِفِ ... كَرِيمَانِ إنْ جَالَا بِفِكْرِ مُنَضَّدِ
(يَحِيرُ لَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الْمَنْظُومَةِ. يُقَالُ تَحَيَّرَ وَاسْتَحَارَ إذَا نَظَرَ إلَى الشَّيْءِ فَغَشِيَ وَلَمْ يَهْتَدِ لِسَبِيلِهِ فَهُوَ حَيْرَانُ وَحَائِرٌ وَهِيَ حَيْرَى وَهُمْ حَيَارَى وَيُضَمُّ، وَحَارَ الْمَاءُ تَرَدَّدَ، وَالْحَائِرُ مُجْتَمَعُ الْمَاءِ وَحَوْضٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَسِيلُ مَاءِ الْأَمْطَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute