للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ تَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا سَلَامٌ كَمَا قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: ١٠] وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِنْعَامِ.

مَطْلَبٌ: فِيمَا يَقُولُهُ الْبَادِئُ بِالسَّلَامِ وَجَوَابُ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ

(تَنْبِيهَاتٌ) :

(الْأَوَّلُ) : صِفَةُ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَيَقُول الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَإِنْ قَالَ الرَّادُّ: وَعَلَيْك أَوْ وَعَلَيْكُمْ فَقَطْ. وَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ. قَالَ كَمَا رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَعْرَابِيِّ. قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَصَحَّ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ يَا أُبَيّ، فَالْتَفَتَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ صَلَّى أَيْ تَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ وَعَلَيْكَ، مَا مَنَعَك أَنْ تُجِيبَنِي إذْ دَعَوْتُك» الْحَدِيثَ. قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الرَّادِّ لِلسَّلَامِ وَعَلَيْك بِحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ. انْتَهَى.

وَكَذَا رَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي فَضَائِلِهِ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَالَ وَيُجْزِئُ فِي الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَدَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى الْإِجْزَاءِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِأَقَلَّ مِنْهَا بِأَنْ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ.

وَمُقْتَضَى كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ قَالَ الْمُضْمَرُ كَالْمُظْهَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا وَصَلَهُ بِكَلَامٍ فَلَهُ الِاقْتِصَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَ وَلَوْلَا أَنَّ الرَّدَّ الْوَاجِبَ يَحْصُلُ بِهِ لَمَا أَجْزَأَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَسَيِّدِنَا الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: فَإِنْ قَالَ سَلَامٌ لَمْ يُجِبْهُ وَيُعَرِّفُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ تَامٍّ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ تَنْكِيرَ الِابْتِدَاءِ وَتَعْرِيفَ الْجَوَابِ، وَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ يَعْنِي: السَّلَامَ الْأَوَّلَ. قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَعْرِيفِهِ وَتَنْكِيرِهِ فِي سَلَامِهِ عَلَى الْحَيِّ، وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى الْمَيِّتِ فَمُعَرَّفٌ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ إلَى آخِرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>