بِيَدَيَّ. قَالَ فَرَجَعُوا وَتَرَكُوهُ فَقَامَ إلَى لِقْحَةٍ يَحْلُبُهَا وَقَرَّبَ مِنْهَا ذَلِكَ وَقَرَّبَ إلَيْهَا مَاءً فَأَقْبَلَتْ مَرَّةً تَلْغُ مِنْ هَذَا وَمَرَّةً مِنْ هَذَا حَتَّى عَاشَتْ وَاسْتَرَاحَتْ. فَبَيْنَمَا الْأَعْرَابِيُّ نَائِمٌ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ إذْ وَثَبَتَ عَلَيْهِ فَبَقَرَتْ بَطْنَهُ وَشَرِبَتْ دَمَهُ وَأَكَلَتْ حَشْوَتَهُ وَتَرَكَتْهُ فَجَاءَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَوَجَدَهُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، فَالْتَفَتَ إلَى مَوْضِعِ الضَّبُعِ فَلَمْ يَرَهَا. فَقَالَ صَاحِبَتِي وَاَللَّهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَكِنَانَتَهُ وَأَتْبَعَهَا فَلَمْ يَزَلْ يَتْبَعُهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا فَقَتَلَهَا وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَمَنْ يَفْعَلْ الْمَعْرُوفَ مَعَ غَيْرِ أَهْلِهِ ... يُلَاقِ الَّذِي لَاقَى مُجِيرُ أُمِّ عَامِرِ
أَدَامَ لَهَا حِينَ اسْتَجَارَتْ بِقُرْبِهِ ... قَرَاهَا مِنْ أَلْبَانِ اللِّقَاحِ الْغَزَائِرِ
وَأَشْبَعَهَا حَتَّى إذَا مَا تَمَلَّأَتْ ... فَرَتْهُ بِأَنْيَابٍ لَهَا وَأَظَافِرِ
فَقِيلَ لِذِي الْمَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ ... غَدَا يَصْنَعُ الْمَعْرُوفَ مَعَ غَيْرِ شَاكِرِ
انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بِرّ الْوَالِدَيْنِ]
ثُمَّ خَصَّ النَّاظِمُ الْوَالِدَيْنِ بِحُسْنِ الْخُلُقِ لَهُمَا وَالصُّحْبَةِ مَعَهُمَا فَقَالَ (وَلَا سِيَّمَا) فَإِنَّ كَلِمَةَ لَا سِيَّمَا تُدْخِلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى. فَقَوْلُهُمْ تُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَعْنَاهُ وَاسْتِحْبَابُهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ آكَدُ وَأَفْضَلُ، فَهُوَ مُفَضَّلٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ: وَدُخُولُ الْوَاوِ عَلَى لَا وَاجِبٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ اسْتَعْلَمَهُ عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ
" وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
" فَهُوَ مُخْطِئٌ. انْتَهَى كَلَامُ ثَعْلَبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ غَيْرَهُ أَنَّهُ قَدْ يُخَفَّفُ وَتُحْذَفُ الْوَاوُ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَبِالْعُهُودِ وَبِالْأَيْمَانِ لَا سِيَّمَا ... عَقْدُ وَفَاءٍ بِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ
وَفِي الْقَامُوسِ: وَلَا سِيَّمَا زَيْدٌ مِثْلُ لَا مِثْلَ زَيْدٌ وَمَا لَغْوٌ وَيُرْفَعُ زَيْدٌ مِثْلَ دَعْ مَا زَيْدٌ وَتُخَفَّفُ الْيَاءُ. انْتَهَى قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَجُوزُ فِي الِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهَا الْجَرُّ وَالرَّفْعُ مُطْلَقًا وَالنَّصْبُ أَيْضًا إذَا كَانَ نَكِرَةً. وَقَدْ رَوَى بِهِنَّ وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ فَالْجَرُّ أَرْجَحُهَا وَهُوَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَمَا زَائِدَةٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُهَا فِي أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمَضْمُونِهِ مَحْذُوفٌ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِالْجُمْلَةِ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَا مِثْلَ الَّذِي هُوَ يَوْمٌ أَوْ وَلَا مِثْلَ شَيْءٍ هُوَ يَوْمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute