للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِذَلِكَ وَلِلصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ خَرَجَ إلَى مَعَاشِهِ.

قَالَ أَيْ فِي الْإِقْنَاعِ: وَيُصَانُ عَنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ يُكْرَهُ الْيَسِيرُ لِغَيْرِ التَّكَسُّبِ كَرَقْعِ ثَوْبِهِ وَخَصْفِ نَعْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.

وَذَكَرَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى رِوَايَتَيْنِ: الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ، وَنَقَلَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَهَّلَ فِيهَا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَوْعُ تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدِّرَاسَةِ.

وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ تَعَلُّمُ الصِّبْيَانِ لِلْكِتَابَةِ فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ ضَرَرٌ بِحِبْرٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

مَطْلَبٌ: حُكْمُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ لَغَطٍ، وَكَثْرَةِ حَدِيثِ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهٍ.

وَظَاهِرُ هَذَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مُسْتَحَبًّا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يُكْرَهُ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى.

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ.

قَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ، قَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَقَدْ أَدْرَكْت النَّاسَ قَدِيمًا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَكُونُ بِمَجْلِسِهِ، وَمَنْ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ كَانَ يُعْتَذَرُ مِنْهُ، وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا أَرَى فِيهِ خَيْرًا، انْتَهَى.

وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْحَدِيثُ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ الْمُبَاحَ «يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ الْحَشِيشَ» ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ «كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» فَهُوَ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ.

قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: لَمْ يُوجَدْ.

وَذَكَرَهُ الْقَارِئُ فِي مَوْضُوعَاتِهِ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسَائِلِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ طَلَبَ الْحَقِّ، فَإِنْ كَانَ مُغَالَبَةً وَمُنَافَرَةً دَخَلَ فِي خَبَرِ الْمِلَاحَةِ وَالْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَسَاجِدِ.

فَأَمَّا الْمِلَاحَةُ فِي غَيْرِ الْعُلُومِ فَلَا تَجُوزُ حَتَّى فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَخَرَجَ لِيُعْلِمَ النَّاسَ - فَتَلَاحَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ فَرُفِعَتْ» ، فَلَوْ كَانَ فِي الْمِلَاحَةِ خَيْرٌ لَمَا كَانَتْ سَبَبًا لِنِسْيَانِهَا.

وَلِأَنَّ اللَّهَ صَانَ الْإِحْرَامَ عَنْ الْجِدَالِ فَقَالَ: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>