للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٍ مَرْئِيٍّ كَالْأَجْسَامِ، وَبِالْكَسْرِ فِيمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ كَالرَّأْيِ وَالْقَوْلِ، وَقِيلَ: الْكَسْرُ يُقَالُ فِيهِمَا مَعًا وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. فَعَلَى الْعَاقِلِ الْعَفْوُ وَالتَّغَافُلُ وَإِنْ سَاءَهُ مِنْهَا خُلُقٌ فَقَدْ يَسُرُّهُ خُلُقٌ آخَرُ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ، أَوْ قَالَ غَيْرَهُ» .

قَوْلُهُ يَفْرَكُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ أَيْضًا، وَضَمُّهَا شَاذٌّ أَيْ يَبْغَضُ.

مَطْلَبٌ: فِي أَنَّ السُّكْنَى فَوْقَ الطَّرِيقِ مُوجِبَةٌ لِلتُّهْمَةِ

وَسُكْنَى الْفَتَى فِي غُرْفَةٍ فَوْقَ سِكَّةِ ... تَئُولُ إلَى تُهْمَى الْبَرِيِّ الْمُشَدِّدِ

(وَسُكْنَى الْفَتَى) يَعْنِي إذَا سَكَنَ الرَّجُلُ (فِي غُرْفَةٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْعَلِيَّةِ جَمْعُهَا غُرُفَاتٍ بِضَمَّتَيْنِ وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَغُرَفٌ كَصُرَدٍ حَالَ كَوْنِ الْغُرْفَةِ (فَوْقَ سِكَّةٍ) أَيْ طَرِيقٍ (تَئُولُ) أَيْ تَرْجِعُ سُكْنَاهُ كَذَلِكَ (إلَى تُهْمَى) وَسُوءِ ظَنِّ النَّاسِ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً جَبَّ الْغِيبَةَ عَنْ نَفْسِهِ» .

وَفِي حَدِيثٍ «مَنْ وَقَفَ مَوَاقِفَ التُّهَمِ فَلَا يَلُومُنَّ مَنْ أَسَاءَ الظَّنَّ فِيهِ» وَذَلِكَ أَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ تَئُولُ إلَى تُهْمَى (الْبَرِيِّ) مِنْ الْعَيْبِ، النَّزِهِ مِنْ قَاذُورَاتِ الذُّنُوبِ، الْمُتَحَفِّظِ فِي أَمْرِ دِينِهِ (الْمُشَدِّدِ) عَلَى نَفْسِهِ فِي صَوْنِهَا عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ وَالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ، وَالْمُضَيِّقِ عَلَى بَصَرِهِ مِنْ الطُّمُوحِ وَلِسَانِهِ مِنْ الْبَذَاذَةِ، الصَّائِنِ لِكُلِّ جَوَارِحِهِ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا اتِّهَامُ الْبَرِيِّ الَّذِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَكَيْفَ بِحَالِ غَيْرِهِ. فَالْأَوْلَى وَالْأَحْرَى لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَسْكُنُ مَكَانًا مُشْرِفًا عَلَى حُرَمِ الْمُسْلِمِينَ.

وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ النَّاظِمِ أَنَّ سُكْنَى الْفَتَى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ يَئُولُ إلَى تُهْمَى أَهْلِهِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ، فَرُبَّمَا رَأَى زَوْجَتَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَتَشَبَّبَ بِهَا أَوْ وَصَفَهَا لِآخَرَ فَيُوهِمُ بِوَصْفِهِ إيَّاهَا اطِّلَاعَهُ عَلَيْهَا. فَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْأَوْلَى حَسْمُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَادَّةِ. وَهَذَا مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَطْلَبٌ: يَخْتَارُ الرَّجُلُ زَوْجَةً ذَاتَ أَصْلٍ]

ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ يُبَيِّنُ لِمَنْ أَرَادَ الزَّوَاجَ مَنْ يَتَزَوَّجُ وَيُحَذِّرُهُ مِنْ الِاغْتِرَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>