للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ ظُلْمٌ، وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْت لَك هَذَا حِرْصًا عَلَيْك مِنْ أَنْ يَسْبِقَ إلَى ذِهْنِك أَنَّ مَا فِي الْفُرُوعِ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ سَبْقُ قَلَمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ مَا ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (ثُمَّ) ، وَهِيَ حَرْفُ عَطْفٍ وَتَرْتِيبٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّرْتِيبِ هُنَا فِي الذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ لِلْإِتْيَانِ بِهَا ضَرُورَةُ النَّظْمِ (الزِّنَا) ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ (قَدْ) أَيْ حَسْبَ بِمَعْنَى فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ بِإِكْرَاهٍ كَمَا قَدَّمْنَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِانْتِشَارِ، وَالْإِكْرَاهُ يُنَافِيه، فَإِذَا وُجِدَ الِانْتِشَارُ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَالْإِثْمُ، كَذَا قَالُوا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ التَّخْوِيفَ يُنَافِي الِانْتِشَارَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّخْوِيفَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ لَا يُخَافُ مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَيْضًا الْإِكْرَاهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَفِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ فَزَنَى فَعَنْهُ يُحَدُّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ لَا كَامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ، أَوْ غُلَامٍ يَعْنِي عَلَى الْفِعْلِ فِيهِ بِإِلْجَاءٍ، أَوْ تَهْدِيدٍ، أَوْ مَنْعِ طَعَامٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى.

وَأَلْحَقَ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ اللَّحَّامِ بِذَلِكَ مَسَائِلَ مِنْهَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ الْحَائِضِ. وَمِنْهَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. وَمِنْهَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إفْسَادِ وُضُوئِهِ. وَمِنْهَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَحَلَّ وِفَاقٍ. وَمِنْهَا لَوْ أَكْرَهَ الْمُؤْلِي عَلَى الْمُؤْلَى مِنْهَا فَوَطِئَ فَقَدْ فَاءَ إلَيْهَا. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْوَطْءِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا ذَكَرَهُ.

مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ.

(تَنْبِيهَانِ) :

(الْأَوَّلُ) : الْإِكْرَاهُ يَحْصُلُ بِالضَّرْبِ، أَوْ الْحَبْسِ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَى بَعْضِ ذَلِكَ، وَإِنْ هَدَّدَ وَتَوَعَّدَ وَغَلَبَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>