للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَأَمَّنَهُ مِمَّا يَخَافُ» . قُلْت: الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا أَوَّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ، قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ يَا رَبَّنَا. فَيَقُولُ لِمَ؟ فَيَقُولُونَ رَجَوْنَا عَفْوَك وَمَغْفِرَتَك. فَيَقُولُ قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِي» .

قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَته: أَسْبَابُ الرَّجَاءِ قَوِيَّةٌ، فَمَنْ خِفْنَا عَلَيْهِ مِنْ غَلَبَةِ الْخَوْفِ قُلْنَا لَهُ عَدِّلْ مَا عِنْدَك بِالرَّجَاءِ، إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتُوبَ وَيَرْجُوَ الْقَبُولَ، وَيَبْذُرَ وَيَرْجُوَ الْحَصَادَ. فَأَمَّا الرَّجَا مَعَ الْعِصْيَانِ فَحَمَاقَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمَّا حَضَرَتْ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوَفَاةُ قَالَ لِوَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ لِي أَحَادِيثَ الرَّجَاءِ. وَلَمَّا اُحْتُضِرَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَخَلَ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت؟ فَقَالَ أَصْبَحْت مِنْ الدُّنْيَا رَاحِلًا، وَلِلْإِخْوَانِ مُفَارِقًا، وَلِعَمَلِي مُلَاقِيًا، وَبِكَأْسِ الْمَنِيَّةِ شَارِبًا، وَعَلَى اللَّهِ وَارِدًا، فَلَا أَدْرِي رُوحِي تَصِيرُ إلَى الْجَنَّةِ فَأُهَنِّيهَا، أَمْ إلَى النَّارِ فَأُعَزِّيهَا. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... جَعَلْت الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوِك سُلَّمَا

تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوِك رَبِّي كَانَ عَفْوُك أَعْظَمَا

وَمَا زِلْت ذَا عَفْوٍ عَنْ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ... تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا

مَطْلَبٌ: فِي حُسْنِ الظَّنِّ

فَهَذَا حَالُ السَّلَفِ رَجَاءٌ بِلَا إهْمَالٍ، وَخَوْفٌ بِلَا قُنُوطٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ (وَلَاقِ) أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ (بِحُسْنِ الظَّنِّ) بِاَللَّهِ تَعَالَى رَبَّك) جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ بِهِ، فَإِنْ لَقِيته وَأَنْتَ حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ (تَسْعَدْ) السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ، وَتَسْلَمْ السَّلَامَةَ السَّرْمَدِيَّةَ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّك إنْ لَمْ تُلَاقِيهِ بِحُسْنِ الظَّنِّ تَشْقَ شَقَاوَةَ الْأَبَدِ، وَتَعْطَبُ عَطَبًا مَا عَطِبَهُ غَيْرُك أَنْتَ وَأَمْثَالُك

<<  <  ج: ص:  >  >>