للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَغْسِيلِ ذَلِكَ الْإِنَاءِ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُهُ بِأَنْ كَانَ تَشْرَبُ النَّجَاسَةَ فَلَا ضَمَانَ بِأَنْ يَكُونَ الدَّنُّ أَوْ الزِّقُّ فَشَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ.

وَقَوْلُهُ (قَدْ) أَيْ حَسْبُ، يَعْنِي فَقَطْ دُونَ الَّذِي لَمْ يَطْهُرْ بِتَغْسِيلِهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ عَنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِدُونِ كَسْرٍ أَوْ شَقِّ وِعَاءِ الْخَمْرِ وَإِلَّا ضَمِنَ رِوَايَةً اخْتَارَهَا النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقَلَهَا فِي الْإِنْصَافِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ مِنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ خِلَافُهُ.

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِ تَلَفِ الْإِنَاءِ أَوْ لَا. قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ آتِيَهُ بِمُدْيَةٍ وَهِيَ الشَّفْرَةُ فَأَتَيْت بِهَا فَأَرْسَلَ بِهَا فَأُرْهِفَتْ ثُمَّ أَعْطَانِيهَا وَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ بِهَا فَفَعَلْت. فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إلَى أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ وَفِيهَا زُقَاقُ الْخَمْرِ قَدْ جُلِبَتْ مِنْ الشَّامِ، فَأَخَذَ الْمُدْيَةَ مِنِّي فَشَقَّ مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الزِّقَاقِ بِحَضْرَتِهِ كُلِّهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي وَيُعَاوِنُونِي، وَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا فَلَا أَجِدُ فِيهَا زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

وَكَذَا لَوْ أَحْرَقَ مَخْزِنَ خَمْرٍ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْهَدْيِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رَجُلٌ مُسْلِمٌ وُجِدَ فِي بَيْتِهِ خَمْرٌ، قَالَ يُرَاقُ الْخَمْرُ وَيُؤَدَّبُ، وَإِنْ كَانَتْ تِجَارَتَهُ يُحْرَقُ بَيْتُهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِرُوَيْشِدٍ. انْتَهَى.

يُرِيدُ مَا رَوَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ شَرَابًا فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَحُرِقَ بَيْتُهُ، وَكَانَ يُدْعَى (رُوَيْشِدٌ) فَقَالَ عُمَرُ: إنَّهُ فُوَيْسِقٌ.

وَقَالَ الْحَارِثُ: شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَصْطَنِعُ الْخَمْرَ فِي بَيْتِهِ فَيَشْرَبُهَا وَيَبِيعُهَا، فَأُمِرَ بِهَا فَكُسِرَتْ وَحُرِقَ بَيْتُهُ وَأُنْهِبَ مَالُهُ ثُمَّ جُلِدَ، وَنَفَاهُ. رَوَاهُمَا الْإِمَامُ ابْنُ بَطَّةَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ.

[مَطْلَبٌ: فِي هَجْرِ مَنْ أَعْلَنَ بِالْمَعَاصِي]

وَلَمَّا بَيَّنَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ بِمَرَاتِبِهِ الثَّلَاثَةِ وَبَيَّنَ طَرَفًا مِمَّا يُنْكِرُهُ وَيَكْسِرُهُ وَيُتْلِفُهُ. وَكَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيَكُونُ إنَّمَا أَنْكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>