مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْمَسَاجِدِ.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) : فِيمَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْمَسَاجِدِ.
فَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ يَلْبَثَ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ تَوَضَّأَ جَازَ لَهُ اللُّبْثُ، وَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ حَتَّى قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فِي الْمُعْتَمَدِ.
وَيُمْنَعُ نَجِسُ الْبَدَنِ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ.
وَيُمْنَعُ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَإِيذَاءِ الْمُصَلِّينَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.
وَيُمْنَعُ السَّكْرَانُ مِنْ دُخُولِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَا أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ لَيَالِي يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً، لَعَمْرِي إنَّهَا لِإِحْيَاءِ أَهْوَائِهِمْ.
وَإِيقَادِ شَهَوَاتِهِمْ.
قَالَ فِي الْآدَابِ: وَهَذَا فِي زَمَانِهِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ نَحْوُ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ.
قَالَ وَمَا يَجْرِي بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَوَاسِمِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ فِي زَمَانِنَا أَضْعَافُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
قُلْت: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، فَمَا بَالُك بِعَصْرِنَا هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَ، وَقَدْ انْطَمَسَتْ مَعَالِمُ الدِّينِ، وَطُفِّئَتْ إلَّا مِنْ بَقَايَا حَفَظَةِ الدِّينِ، فَصَارَتْ السُّنَّةُ بِدْعَةً، وَالْبِدْعَةُ شِرْعَةً، وَالْعِبَادَةُ عَادَةً وَالْعَادَةُ عِبَادَةً.
فَعَالِمُهُمْ عَاكِفٌ عَلَى شَهَوَاتِهِ، وَحَاكِمُهُمْ مُتَمَادٍ فِي غَفَلَاتِهِ، وَأَمِيرُهُمْ لَا حُلْمَ لَدَيْهِ، وَلَا دِينَ، وَغَنِيُّهُمْ لَا رَأْفَةَ عِنْدَهُ، وَلَا رَحْمَةَ لِلْمَسَاكِينِ، وَفَقِيرُهُمْ مُتَكَبِّرٌ، وَغَنِيُّهُمْ مُتَجَبِّرٌ.
مَطْلَبٌ: مُتَصَوِّفَةُ زَمَانِنَا وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ.
فَلَوْ رَأَيْت جُمُوعَ صُوفِيَّةِ زَمَانِنَا، وَقَدْ أَوْقَدُوا النِّيرَانَ، وَأَحْضَرُوا آلَاتِ الْمَعَازِفِ بِالدُّفُوفِ الْمُجَلْجِلَةِ، وَالطُّبُولِ وَالنَّايَاتِ وَالشَّبَابِ، وَقَامُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ يَرْقُصُونَ وَيَتَمَايَلُونَ، لَقَضَيْت بِأَنَّهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ السَّامِرِيِّ وَهُمْ عَلَى عِبَادَةِ عِجْلِهِمْ يَعْكُفُونَ.
أَوْ حَضَرْت مَجْمَعًا وَقَدْ حَضَرَهُ الْعُلَمَاءُ بِعَمَائِمِهِمْ الْكِبَارِ وَالْفِرَاءِ الْمُثَمَّنَةِ، وَالْهَيْئَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ، وَقَدَّمُوا قَصَّابَ الدُّخَانِ، الَّتِي هِيَ لِجَامَاتُ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ ابْتَدَرَ ذُو نَغْمَةٍ يَنْشُدُ مِنْ الْأَشْعَارِ الْمُهَيِّجَةِ