مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ وَثُلْمَةِ الْإِنَاءِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
وَلَا تَشْرَبَنْ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَثُلْمَةِ الْ ... إنَاءِ وَانْظُرَنْ فِيهِ وَمَصًّا تَزَرَّدِ
(وَلَا تَشْرَبَنْ) نَهْيُ كَرَاهَةٍ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (مِنْ فِي) أَيْ فَمِ (السِّقَاءِ) الْقِرْبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ السِّقَاءُ كَكِسَاءٍ جِلْدُ السَّخْلَةِ إذَا أَجْذَعَ يَكُونُ لِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَجَمْعُهُ أَسْقِيَةٌ. وَذَلِكَ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشَّرَابِ مِنْ فِي السِّقَاءِ.
فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ» زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ " فَأُنْبِئْت أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ " وَلِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ رُبَّمَا يُقَذِّرُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَيُنَتِّنُهُ بِتَرَدُّدِ أَنْفَاسِهِ وَرُبَّمَا غَلَبَهُ الْمَاءُ فَتَضَرَّرَ بِهِ مِنْ شَرْقٍ وَنَحْوِهِ.
وَعَنْ أُمِّ ثَابِتٍ كَبْشَةَ بِنْتِ ثَابِتٍ أُخْتِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ شَاعِرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا فَقُمْت إلَى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا قَطَعَتْهُ لِتَحْفَظَ مَوْضِعَ فَمِهِ الشَّرِيفِ وَتَتَبَرَّكَ بِهِ وَتَصُونَهُ عَنْ الِابْتِذَالِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ. فَالْأَفْضَلُ، وَالْأَكْمَلُ عَدَمُ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ، وَالْجَرَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) لَا تَشْرَبَنْ مِنْ (ثُلْمَةِ الْإِنَاءِ) أَيْ الْوِعَاءِ وَالثُّلْمَةُ الْكَسْرُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ الثُّلْمَةُ بِالضَّمِّ حَرْفُهُ الْمَكْسُورُ، وَالْمَهْدُولُ يَعْنِي الْإِنَاءَ فَيُكْرَهُ لِلشَّارِبِ أَنْ يَقْصِدَ الثُّلْمَةَ فَيَشْرَبَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ اجْتِمَاعِ الْوَسَخِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ غَسْلِهَا تَامًّا وَخُرُوجِ الْقَذَى وَنَحْوِهِ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حُسْنِ الشُّرْبِ مِنْهَا وَرُبَّمَا انْجَرَحَ بِحَدِّهَا وَلِأَنَّهُ يُقَالُ: الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ» . وَفِيهِ قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جِبْرِيلَ الْمِصْرِيُّ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَتَرْكُهُ أَوْلَى انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute