وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا «مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» فَإِنَّ الزِّنَا أَعْظَمُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ بَعْدَ قَتْلِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك، قُلْت: إنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْت ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يُطْعَمَ مَعَك، قُلْت ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك» .
وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إذَا بُخِسَ الْمِكْيَالُ حُبِسَ الْقَطْرُ، وَإِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَقَعَ الطَّاعُونُ، وَإِذَا كَثُرَ الْكَذِبُ كَثُرَ الْهَرْجُ.
وَيَكْفِي فِي قُبْحِ الزِّنَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ كَمَالِ رَحْمَتِهِ شَرَعَ فِيهِ أَفْحَشَ الْقِتْلَاتِ وَأَصْعَبَهَا وَأَفْضَحَهَا، وَأَمَرَ أَنْ يَشْهَدَ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ تَعْذِيبَ فَاعِلِهِ. وَمِنْ قُبْحِهِ أَنَّ اللَّهَ فَطَرَ عَلَيْهِ بُغْضَ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ، كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدًا زَنَى بِقِرْدَةٍ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمَا الْقُرُودُ فَرَجَمُوهُمَا حَتَّى مَاتَا، وَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا.
مَطْلَبٌ: الزِّنَا يَجْمَعُ خِلَالَ الشَّرِّ كُلِّهَا.
قَالَ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ: وَالزِّنَا يَجْمَعُ خِلَالَ الشَّرِّ كُلَّهَا مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ وَذَهَابِ الْوَرَعِ، وَفَسَادِ الْمُرُوءَةِ وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ، فَلَا تَجِدُ زَانِيًا مَعَهُ وَرَعٌ، وَلَا وَفَاءٌ بِعَهْدٍ، وَلَا صِدْقٌ فِي حَدِيثٍ، وَلَا مُحَافَظَةٌ عَلَى صَدِيقٍ، وَلَا غَيْرَةٌ تَامَّةٌ عَلَى أَهْلِهِ، فَالْغَدْرُ وَالْكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ وَعَدَمُ الْمُرَاقَبَةِ وَعَدَمُ الْأَنَفَةِ لِلْحُرَمِ وَذَهَابُ الْغَيْرَةِ مِنْ الْقَلْبِ مِنْ شُعَبِهِ وَمُوجِبَاتِهِ، وَمِنْ مُوجِبَاتِهِ غَضَبُ الرَّبِّ بِإِفْسَادِ حُرَمِهِ وَعِيَالِهِ، وَلَوْ تَعَرَّضَ رَجُلٌ إلَى مَلِكٍ مِنْ الْمُلُوكِ بِذَلِكَ لَقَابَلَهُ أَسْوَأَ مُقَابَلَةٍ. وَمِنْهَا سَوَادُ الْوَجْهِ وَظُلْمَتُهُ وَمَا يَعْلُوهُ مِنْ الْكَآبَةِ وَالْمَقْتِ الَّذِي يَبْدُو عَلَيْهِ لِلنَّاظِرِينَ.
وَمِنْهَا ظُلْمَةُ الْقَلْبِ، وَطَمْسُ نُورِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ طَمْسَ نُورِ الْوَجْهِ، وَغَشَيَانَ الظُّلْمَةِ لَهُ، وَمِنْهَا الْفَقْرُ اللَّازِمُ، وَفِي أَثَرٍ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «إنَّ اللَّهَ مُهْلِكُ الطُّغَاةِ، وَمُفْقِرُ الزُّنَاةِ» . وَمِنْهَا أَنَّهُ يُذْهِبُ حُرْمَةَ فَاعِلِهِ وَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنِ رَبِّهِ وَمِنْ أَعْيُنِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَسْلُبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute