وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَبُولُ فَوَقَعَ عَلَى ذَكَرِهِ زُنْبُورٌ مِنْ تِلْكَ الزَّنَابِيرِ فَلَمْ يَضُرَّهُ بِشَيْءٍ فَعَلِمْنَا أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ مَأْمُورَةً، وَقَدْ سُئِلَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ يُدَخَّنُ لِلزَّنَابِيرِ؟ قَالَ إذَا خَشِيَ أَذَاهُمْ فَلَا بَأْسَ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَحْرِيقِهِ؛ لِأَنَّ فِي التَّدْخِينِ لَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْهَا وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ.
وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ زُنْبُورًا اكْتَسَبَ ثَلَاثَ حَسَنَاتٍ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَكِنْ يُكْرَهُ إحْرَاقُ بُيُوتِهَا بِالنَّارِ، فَإِنْ كَانَتْ بُيُوتُ الزَّنَابِيرِ فِي نَحْوِ حَائِطٍ لَا يُمْكِنُ هَدْمُهُ أَوْ يُمْكِنُ لَكِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ جَازَ حَرْقُهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) جَوَّزَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا (شَيًّا) هُوَ مِنْ قَوْلِك شَوَيْت اللَّحْمَ شَيًّا قَالَ فِي الْقَامُوسِ: شَوَى اللَّحْمَ شَيًّا فَانْشَوَى وَأَشْوَى، وَهُوَ الشِّوَاءُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ (بِمَوْقِدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ مَوْضِعُ الْوَقُودِ، وَالْمُرَادُ إبَاحَةُ وَقُودِ النَّارِ عَلَى الزَّنَابِيرِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ نِظَامِهِ، وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ وَقَيَّدَهُ الْحَجَّاوِيُّ بِالضَّرُورَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالضَّرُورَةِ الْحَاجَةُ إذْ حَرْقُ الزُّنْبُورِ مَكْرُوهٌ، وَالْكَرَاهَةُ تَزُولُ بِأَدْنَى حَاجَةٍ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ، وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدَّوَاءِ مُضِرٌّ:
وَيُكْرَهْ لِنَهْيِ الشَّرْعِ عَنْ قَتْلِ ضِفْدَعٍ ... وَصِرْدَانِ طَيْرٍ قَتْلُ ذَيْنِ وَهُدْهُدِ
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (لِ) أَجْلِ (نَهْيِ الشَّرْعِ) يَعْنِي الشَّارِعَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَنْ قَتْلِ) أَيْ إزْهَاقِ رُوحِ (ضِفْدِعٍ) مِثَالُ خِنْصِرٍ وَاحِدُ الضَّفَادِعُ، وَالْأُنْثَى ضِفْدِعَةٌ، وَنَاسٌ يَقُولُونَ: ضِفْدَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ، قَالَ الْخَلِيلُ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْلَلٌ إلَّا أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ: دِرْهَمٌ وَهِجْرَعٌ، وَهُوَ الطَّوِيلُ، وَهِبْلَعٌ، وَهُوَ الْأَعْزَلُ، وَقِلْعَمٌ، وَهُوَ اسْمٌ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: الْأَشْهَرُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ كَسْرُ الدَّالِ وَفَتْحُهَا أَشْهُرُ فِي أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ ضِفْدِعٌ كَزِبْرِجٍ وَجَعْفَرٍ وَجُنْدُبٍ وَدِرْهَمٍ وَهَذَا أَقَلُّ أَوْ مَرْدُودٌ، دَابَّةٌ نَهْرِيَّةٌ. فَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ كَمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَعَبَّرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِلَا يَجُوزُ فَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد «أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا» .
وَقَدْ تَرَكَ الْأَطِبَّاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute